سنلتقي ذات مساء في يافا.. في ندوة نقدية
قليلة هي الأعمال الأدبية والفنية التي ينجزها ثنائي متشابك في العاطفة والحسّ، ونادراً ما تنجو بعض هذه الأعمال بأصحابها من اتهامات الآخرين الساذجة عن أحقيّة أحد دون الآخر بانتساب هذا المولود له، لكن الرواية التي صدرت العام الماضي عن الهيئة العامة السورية للكتاب للأديبين عمر جمعة وعبير القتال القادمين إلى الحيّز الأدبي والإعلامي بخبرة مبنيّة على وعي لقيمة الإبداع والأدب في الحياة المعاصرة، حيث يتجه الناس بعيداً عن الكتاب ومشاغل الفكر وهموم الصحافة والكلمة. هما الكاتبان المشتغلان على حلم لا بد من الوصول إليه يوماً، ولو كان المساء على شاطئ يافا الفلسطيني، عمر جمعة ابن مخيم جرمانا الذي يحلم بالعودة ويناضل لأجلها وعبير القتال ابنة الساحل السوري الذي يمتد جنوباً إلى بيارات يافا، ومعلّق قلبها بالقدس وأجراس بيت لحم، هذه الأرواح تكتب من مواقع جغرافية موحّدة في انتمائها لفلسطين، وجدت في الرواية مكانها الأثير للتلاقي عبر صفحات الروي والقصّ في فضاء العلاقات الإنسانية الشغوفة بالمحبة والحلم والوطن.
في الندوة النقدية التي أُقيمت في المركز الثقافي العربي بالمزة مؤخراً، وتناولت رواية “سنلتقي ذات مساء في يافا” بمشاركة الأديبين حسن حميد وعدنان كنفاني والشاعر خالد أبو خالد، دارت أفكار عرض الرواية حول موضوعات الكتابة الثنائية ومخاوف النجاح، وعن الفكرة بوصفها القيمة الأهم في أي عمل أدبي، فقد اعتبر الروائي حسن حميد أن أهمية الرواية من أهمية الفكرة، باعتبار أن الفكرة من بنات النضال الفلسطيني النبيلة واعتبار القضية الفلسطينية أهم موطن للإلهام الروائي، فكل عمل يجب أن تتوفر فيه فكرة لتعطيه صفة الخصوصية وتمنحه القيمة.
واستعرض حميد بعض جوانب هذه الرواية التي أكدت موهبة جمعة والقتّال ونجاحهما في إنجاز هذا العمل المشترك، وركز حميد على أهمية المكان بوصفه بطلاً شاملاً وجامعا لكل هذا التجلي والقصّ.
أما الكاتب عدنان كنفاني الذي قرأ ورقة كان قد نشرها حول هذه الرواية متسائلاً عن ملامح كل من الكاتبين أين حضرت، وأين الذكر وكتاباته من كتابات الأنثى؟، وحول هذه المغامرة في النصوص المشتركة والقلق من الفشل، لكنه أكد ثقته بنجاح التجربة في هذه الرواية، والسبب يعود إلى الفكرة باعتبارها بطلاً مشتركاً وملهماً، كما أشار إلى أن هذه الرواية ستكون خطوة مؤسّسة لتوجّه جديد ربما ينجح فيه الآخرون، شرط توفر مناخ قائم على الحبّ المقدّس للوطن المقدّس، ويقدم بلغة مقدسة مثلما هو واضح في رواية “سنلتقي ذات مساء في يافا”.
ولعلّ الشاعر خالد أبو خالد المأخوذ بوحدة النضال العربي ودور دمشق الحاضن للمقاومة منذ بداية انطلاقة الثورة الفلسطينية، آثر الاستشهاد بأسماء قادتها الذين قاتلوا مع صفوف الطلائع الفدائية الأولى، فمن السوريين كان القائد وكان الشهيد والرفيق، وكذلك بيوت السوريين المفتوحة مثل قلوب أهلها لإخوتهم الفلسطينيين، هؤلاء يتشاركون آلامهم ونضالهم وحلم العودة والذاكرة التي تأسّس النص الروائي هنا عليها باعتبارها أمس واليوم وغداً، قياساً لفعلها المقاوم والضمير الذي لا يموت.
وفي الجانب التقني أشار الشاعر أبو خالد إلى القيمة في استنطاق شخصيات الرواية في حيّز الشعر من خلال حديث الداخل الإنساني بصوت مرتفع ، فكانت اللغة المقصودة التي تحمل كنه من يكتب بطبيعته الشاعرة، وأضاف: إن الذاتية وإن غابت بين عمر وعبير بوصفهما الآدمي، إلا أن الفهم الثنائي الموّفق جعل منهما روحاً واحدة في نص واحد يعتني بالشعر والنثر وفلسطين الحبيبة، عمل يجب تقييمه في سياق أعمال قادمة، هذا ما يأمل أبو خالد من عمر وعبير باعتبار هاجس النص في الرواية وسطوة موضوع الفكرة الأخاذة، سيكون الدافع نحو نصوص جديدة قادمة.
أكسم طلاع