ثقافة

د.ميسون علي: لم يتمكن المسرح السوري من التعبير عن اللحظة الراهنة.. والأجيال لاتزال تتحرك ضمن الصيغ التقليدية

يحار المطالع للسيرة الذاتية العلمية للدكتورة “ميسون علي”، أستاذة المسرح الحديث والمعاصر في المعهد العالي للفنون المسرحية، رئيسة قسم الدراسات المسرحية في المعهد المذكور 2013-2014، ووكيلته العلمية لعام 2015، وأيضاً السيرة الذاتية لشخصها الودود والمحب والمعطاء، يحار في حال قرر الخوض معها في حوار فكري مسرحي ثقافي من أين يبدأ، حيث إن عمراً مرّ في حياة هذه السيدة صرفته في سبيل التحصيل العلمي، وما يعكسه في دواخل الإنسان من صقل لتجربته الحياتية، ومن تشذيب بارع لاستطراداتها التي لا تكل ولا تمل عن طرح نفسها وبشكل لحوح عليه في حياته، إلا أن الوقوف على أحوال المسرح السوري بتشعباته المعقدة فعلاً هو ما يقترح نفسه كبداية مناسبة للولوج إلى عوالم د. “ميسون علي”، وأفكارها حول العديد من الأفكار والتساؤلات التي تم طرحها في هذا الحوار الذي جمعنا بها في الأكاديمية السورية للعلوم المسرحية، وعلى مقعد طلابها الذين أخلوا لنا القاعة بمودة ليكون هذا اللقاء.

لا وجود لأزمة نص مسرحي
< بداية دعينا نبدأ من أحوال المسرح السوري، كيف تقيّمين أداء المسرح السوري في العقد الأخير؟ وما هي العقبات أو المشاكل التي لاتزال تلاحق الفن المسرحي السوري الذي يوصف بأنه في أزمة حادة، لماذا مسرحنا في هذه الأزمة؟.
<< المسرح لايزال يحيا أزمات متتالية، رغم أن مشاكل المسرح لها خصوصيتها المتعلقة بعدة ظروف مختلفة، لكنها تبقى متعلقة، أو تبقى جزءاً من أزمة الثقافة بشكل عام، مشاكل المسرح القديمة لم تحل، وكي لا نلقي اللوم على عاتق ما جرى في البلاد في الجزء الأكبر من العقد الحالي، بكونها كانت السبب في تراجع أحوال المسرح كما يشاع بين الأوساط المسرحية، بغض النظر عن تقييمنا لها تقييماً علمياً وفنياً، لأنه لطالما كانت الأزمات والحروب والمشاكل المترافقة وهذا النوع من المصاعب التي تمر بها الشعوب، لطالما كانت مادة غنية للابتكار بما فيها من مفردات متنوعة وهائلة في شكلها ومضمونها، والأزمة التي نمر بها منذ ست سنوات يجب أن تكون كما قلت مادة غنية للابتكار، والألق، وتطوير الأدوات، لا لتراجعها في هذا الشكل الحاد في الشكل، وفي الأداء.
شخصياً أعتقد أن المسرح يزدهر عندما تمر المجتمعات بمنعطف تاريخي كالذي تمر به البلاد، لكننا وحتى اللحظة، ورغم كل “الروبرتوار” الذي قُدم ويقدم من قبل المسرح الرسمي، أو العروض المسرحية التي تعتمد على تمويل بعض المؤسسات خارج إطار المؤسسة الرسمية، لم تستطع أن تعبّر عن هذه اللحظة الحاسمة والمصيرية التي نمر بها الآن، حيث يشعر من يتابع هذه العروض أنه أمام متخيل قديم باهت لا يمس هذه اللحظة بشكل فعلي على خطورتها، بالتأكيد هناك العديد من المواهب المسرحية الواعدة في سورية، لكنها مهملة ومتروكة لذاتها، وهذا ربما سببه غياب المشروع الثقافي، وهو بالضرورة يشمل المسرح، فالأجيال اليوم لاتزال تتحرك ضمن الأطر القديمة، صيغ الإنتاج المسرحي لم تتغيّر مثلاً، الصالات المسرحية ذاتها، وغيرها من مستلزمات العمل المسرحي التي بقيت كما هي منذ أكثر من ثلاثة عقود، وكان من المفروض أن تكون لدينا بوادر على أنه يجب التفكير وإعادة النظر في هذه البنية التقليدية للمسرح التي تعتبر واحدة من أهم مشاكل عدم تطوره، أقله إلى الحالة التي يطمح إليها ولو بشكل نسبي جمهوره الذي لم يهجره، وهذا في الحقيقة يحتاج إلى مناخ، وهامش ديمقراطي، والعنصران متلازمان لتقدم المسرح، تطوير البنية المسرحية والقوانين الناظمة له والتي مازالت مستمرة لدينا منذ ستينيات القرن الماضي، والمناخ الديمقراطي الذي يزدهر المسرح في ظلاله.
< بالإضافة إلى ما ذكرته من مشاكل تعتري الحالة الثقافية عموماً والمسرحية، ألا توجد لدينا أزمة نص مسرحي؟ أزمة فنانين مسرحيين فضّلوا التلفاز على خشبة المسرح كما رأينا ونرى؟.
<< في الحقيقة لدينا العديد من المواهب، والعديد من النصوص المسرحية الجيدة التي كتبها كُتّاب شباب حتى قبل ما تمر به البلاد، ولكن لم تحظ بالرعاية الكاملة، وهنا أسأل: لماذا لم تنتج هذه النصوص الجيدة التي تم نشرها في مجلدات وكتب عندما كانت دمشق عاصمة للثقافة العربية عام 2008، وهذه النصوص المسرحية التي قرأتها واطلعت على معظمها قدمت شيئاً جديداً ومختلفاً، حتى إنها تجاوزت ما قدمه جيل الآباء الذين كانوا يبحثون في تلك الفترة عن هوية المسرح: “سعد الله ونوس، ممدوح عدوان، وليد إخلاصي، فرحان بلبل”، كما أنها حملت مفاهيم مبتكرة، وأفكاراً واعدة تم فيها كسر العديد من “التابوهات” بأسلوب جديد ومحترم وعقلاني كالجنس، والدين، والزواج بين الطوائف، والعديد من الموضوعات التي لم يتناولها جيل الآباء، وبرأيي الشخصي هؤلاء الشباب، بما كتبوه من نصوص مسرحية تم نشرها كما أسلفت، قاموا برفع سقف الرقابة نوعاً ما، ونحن لا يمكن أن نرفع سقف الرقابة دون أن نختبر هذا في الكتابة بأنواعها، إلا أن هذه النصوص أهملت ولم يتم التعاطي معها بجدية، رغم أنها طبعت ونشرت، فلماذا هذا الإهمال؟ على الأقل أن تكون لها عروض قراءة كخطوة أولى للتعريف بهذه النصوص لعلها تكون مشروعاً لمخرج ما فيما بعد؟!.
< لماذا برأيك تم إهمال هذه النصوص في حال يشكو العديد من المخرجين المسرحيين من غياب النص الجيد للعمل المسرحي، أو في توصيف آخر وجود أزمة نص مسرحي؟.
<< عموماً هذا الأمر له علاقة مباشرة بغياب المشروع الثقافي، مازلنا إلى الآن نتحدث عن كتّاب جيل الآباء في المسرح، رغم ظهور جيل جديد من الكتّاب الذين يستحقون الرعاية، إذاً لا أزمة نص بشكل فعلي لدينا، أزمة النصوص لا توجد إلا في الأحاديث الصحفية لهذا الفنان المسرحي أو ذاك، وعلى أرض الواقع ليست موجودة، إذ لا يوجد أي مشروع لتبني هؤلاء الكتّاب، ثم يأتيك من يتحدث عن أزمة النص المسرحي، لماذا لم تحظ هذه النصوص بالرعاية من قبل مديرية المسارح والموسيقا مثلاً التي من المفروض باعتبارها المسرح القومي أن تعطي أولوية للنص المحلي؟!.
< ولكن برأيك هل أنجز جيل الكتّاب المسرحي الجديد نصه الخاص بقطيعة مع جيل الآباء؟ أم أنه اتكأ عليه في منجزه الإبداعي المسرحي؟.
<< برأيي نعم أنجزوه في قطيعة مع جيل الآباء، وفي محاولة حثيثة وجادة لتجاوز جيل الآباء، أو بمعنى “قتل الأب” إذا صح التعبير هنا حسب التوصيف المسرحي، حتى إنهم قاموا بقطيعة نقدية معه لتكون لديهم فرصة أفضل في تقديم أنفسهم، هويتهم، مقولتهم، ولاحظنا عملهم لتقديم “الأنا” بالمعنى العام، هذه الأنا الضائعة التائهة التي تشعر بالاغتراب ربما في مجتمع لا يفهمها، ولا يقدر حاجتها، وطموحاتها، ومتطلباتها، بعض هذه النصوص كتبت قبل بدء الأزمة، وكتبت خلال مشاريع عديدة قامت في المراكز الثقافية، ولكن لم يتم تبنيها من قبل المؤسسة الرسمية التي نشعر وكأنها تعمل على تكريس المكرّس، أو الاعتماد على نصوص من “روبرتوار” المسرح الغربي، في عام 2012 مثلاً عندما كانت الأزمة في بداية تصاعدها، كان “روبرتوار” المسرح القومي عبارة عن مسرحيات كلاسيكية مثل “كلهم أبنائي”، لست ضد تقديم هذه النصوص، ولكن على أن يتم إعدادها بما يناسب المتفرج السوري، لأن مصطلح أو مفهوم “الآن–هنا” ليس كل شيء، فالمسرح ابن بيئته في النهاية، وللأسف لم يجر إعداد هذه النصوص بما يناسب متطلبات المتفرج السوري الفكرية، والثقافية، لاسيما أننا كنا نمرّ في منعطف تاريخي أقصد كبلد وشعب.

المسرح يدرب على نبذ العنف
< دعيني أسأل ليكون واضحاً للقراء باعتبار أن ثمة لغة متعالية عليه في الخطاب المسرحي والثقافي عموماً، أنا كفرد من شعب يمر وبلده في حرب عاتية، كيف أفهم دور المسرح في الحرب؟ وما هو الدور الذي كان يمكن للمسرح أن يلعبه في هذه الفترة العصيبة؟.
<< على مر التاريخ كان للمسرح دور مهم جداً في الفترات الصعبة التي تمر بها الشعوب والدول، خصوصاً في فترة الحروب، مثلاً لدينا فرقة “خبز ودمى” لعبت دوراً كبيراً في إيقاف الحرب في فيتنام، حيث إنها كانت تقدم عروضها في الشارع، وكان لها دور كبير في زيادة الضغط والتأثير على الرأي العالمي، وأيضاً على الشارع الفيتنامي المحلي، فرقة “ليفنغسياتر” كانت دائماً تواكب ما يجري في دول العالم الثالث لتبني العديد من القضايا المهمة فيها كالتخلف، والفقر، والجوع، والجهل، وتقدمها بأسلوب يؤثر في المواطن الغربي باعتبارها مشاكل إنسانية في المقام الأول، وليست خاصة بجنسية ما، بالتأكيد للمسرح دور هام وخطير عندنا، لأن المسرح يدرب عبر الحوار والأمثولة على نبذ العنف، ونبذ بعض التمزقات التي أصابت جسم المجتمع في النهاية، وأن يحاول هؤلاء المسرحيون دراسة ما يهم متلقي الآن، وفهم بنيته الفكرية، وما يحتاجه الآن في ظل هذه الظروف الراهنة، وابتكار وسائل وصيغ تستطيع أن تعبّر عن اللحظة، مهمة المسرح الآن خطيرة، لأنه هو الأقدر برأيي على بدء الحوار في المجتمع دون وسائط مفتعلة، مازال المسرح هو الوسيلة الأقدر، رغم ظهور أشكال فرجة عديدة ومختلفة تكرّس الفردية، النقد ليس انطباعات، أو أحكاماً شخصية، والارتجال هو الصفة السائدة في العروض المسرحية الآن!.
< هذا يقودني لسؤالك عن رأيك كأكاديمية متخصصة بالمسرح عن الحالة النقدية المسرحية الموجودة لدينا، كيف تقيمين هذه الحالة؟.
<< عموماً هناك عدم موضوعية فيما يكتب أو يقال، النقد أولاً هو علم ويحتاج إلى أدوات ومنهجية في ممارسته، وأن يسعى الناقد قدر الإمكان إلى الموضوعية في نقده، وأن يقدم مادة غنية ترتقي بالذوق الفني للقارئ، الشخصانية غالباً تلعب دوراً كبيراً في ما يكتب، والذي يأتي في أحيان عديدة متسرعاً، هذا إذا أردنا بالطبع أن نشير إلى ما يكتب ضمن شرط العمل الصحفي الذي له متطلبات يومية لا تحتمل التأجيل ربما، لا يوجد دائماً مادة نقدية صحفية تواكب العمل المسرحي بشكل تحليلي منهجي، لأن النقد ليس انطباعات أو أحكاماً شخصية، وهناك النقد الأوسع الذي يتناول في بحث نصوص أو أعمال معينة ضمن بحث طويل له إشكالياته ومساحاته التي لا توفرها الصحف، النقد المسرحي المتخصص يتراجع، هناك إقبال أكثر على كتابة المادة النقدية الصحفية، ربما لأنها أسرع في النشر وذات مردود مادي لا بأس به – خاصة ما يكتب في صحافة الخارج- النقد المسرحي البحثي الأكاديمي تراجع ويتراجع منذ فترة، أيضاً باعتقادي أن الحالة النقدية تتقدم، عندما يكون هناك منتج إبداعي مهم، تستطيع الحركة النقدية أن تواكبه، منذ فترة لم يعد هناك كتابات مسرحية جديدة، فالكتابة المسرحية تتراجع في كل العالم عموماً، حيث غالباً ما يقدم العرض المسرحي الذي يكتب نصه المخرج، أو انطلاقاً من تمارين الممثلين الارتجالية نفسها على الخشبة.
<  شهدنا على مدى السنوات الست السابقة العديد من العروض المسرحية التي قدمت على خشبات العاصمة وفي مدن سورية أخرى، برأيك هل استطاعت هذه العروض أن تلبي حاجة المتفرج السوري؟.
<< ما يجري بشكل عام فيه خلط كبير، لا أريد أن أسميه “فوضى” فمن يريد أن يخرج عرضاً مسرحياً يستطيع ذلك حتى لو لم يكن مخرجاً، هناك من يعملون في مجال “الدراماتورجية” وهم لم يدرسوا المسرح أساساً، ويوجد تهميش واضح لخريجي قسم الدراسات الذين هم أقدر الموجودين على القيام بالقراءة الدراماتورجية، وتحويل النص إلى عرض، هناك من يعمل في إعداد النصوص وهو غير عارف بقواعد الكتابة المسرحية وبنية النص المسرحي، الأمر ليس فقط في الاجتزاء والحذف وهذا ما يجري للأسف، العملية الدراماتورجية هي أعمق من ذلك بكثير، هي إعادة كتابة النص بما يلائم الرؤية الفكرية للمخرج، والسؤال هنا: لماذا لا يتم التوجه بالعمل المسرحي أياً كان اختصاصه، إلى متخصص خريج مؤهل لهذا؟ هذا عمله وينافسه عليه الكثير من غير المختصين! أما ما يزيد الطين بلة فهو عندما يتولى المخرج إعداد النص والسينوغرافيا وأحياناً التمثيل في العرض، فكيف يمكن أن يظهر بهذا الحال عرض مهم ومتكامل من حيث عناصره جميعاً؟ لكن هذا لا يمنع من وجود بعض التجارب التي استطاعت أن تتوجه إلى المتلقي بشكل يحترم ذائقته الفنية، ولكن بالتأكيد لم يستطع تحويل العمل المسرحي إلى حدث ثقافي يومي في الحياة الفنية والثقافية، بسبب عدم فهم هذا المتلقي الذي نتوجه إليه وعدم دراسة ذائقته وما الذي يعنيه في اللحظة الخطيرة الراهنة، وشتان بين الأنشطة التي تجتمع في مناسبات مهرجانية -وأنا هنا لا أقلل من شأنها- وبين أن يكون المسرح ذا وزن ثقافي حقيقي في الواقع الحياتي، لذلك هناك تدن كبير على مستوى ما يقدم، ولهذا يعزف الجمهور على متابعة هذه العروض التي لا تلامسه ولا تعنيه.
< خلال عملك في الأكاديمية السورية للفنون المسرحية، عاصرت العديد من الأجيال التي درست هنا، ألا يوجد تراجع في مستوى الطالب برأيك؟
<< بالفعل ومنذ عشر سنوات إلى الآن تراجع مستوى الطلاب بشكل كبير، هناك طلاب كانوا يقضون ساعات طويلة في القراءة والمطالعة ولديهم المبادرة العلمية، الآن نفتقد إلى الطالب الذي لديه المبادرة العلمية، الآن الطالب بالكاد يقوم بما نكلفه به، خصوصاً في السنوات الست الأخيرة والمعاناة التي تعرض لها الطلاب مثلهم مثل كل الناس في الوطن، العملية التدريسية برمتها تأثرت بما يجري، حيث صرنا نرى الكثير من الطلاب الذين أنهوا المرحلة الثانوية وهم لا يتمتعون بثقافة مهمة تؤهلهم للدراسة الأكاديمية، سابقاً كان يأتي الطالب إلى المعهد لديه ثقافة مسرحية وأدبية وفكرية مهمة، الآن بالكاد يأتينا طالب إلى امتحان القبول، وقد حضر عرضاً أو عرضين مسرحيين، سابقاً كان يوجد إيمان أكثر من الطالب في المسرح، الآن البعض يأتي ليحصل على شهادة، والبعض مهتم، لكن الظروف لم تعد تسمح كما السابق، ونحن هنا نراعي هذه الظروف، ونعول على أن الطالب سيتطور في دراسته من السنة الأولى للرابعة، خاصة وأننا في معهد إبداعي، على الطالب فيه أن يستكمل ما يأخذه في المحاضرة، وأن يقرأ أكثر ويطور نفسه مع المتابعة من قبل الأساتذة لكل طالب وما يقوم به، لذلك نحن نقبل عدداً قليلاً من الطلاب في السنة الأولى، فالعدد القليل يسمح بإجراء نقاش بين المدرس والطالب، ويسمح أيضاً للمدرس بمراقبة تطور الطلاب من فصل لآخر ومن سنة لأخرى، وأيضاً يجري خلال سنوات الدراسة نوع من الغربلة، بحيث يبقى الطالب الأكثر علماً وقدرة على التطور والأداء، والمعهد مخول بأن يفصل الطالب الذي لا قابلية لديه للتطور، طبعاً لا نريد أن ننسى أن لدينا نقصاً في الكادر التدريسي، حيث إن العديد من المدرسين تركوا البلاد بسبب الحرب، وهذا أثر على سير العملية التدريسية، فاضطررنا نحن الباقين في المعهد أن نحمل، إضافة إلى ما ندرسه، تدريس المواد التي تركها زملاؤنا.

ربما لست من اللائقين بالأوبرا
<  لماذا لم نر عرضاً مسرحياً لنص يحمل اسمك على خشبات مسارحنا، إن كان في التأليف أو في الأعداد أو كدراماتورج؟.
<< لنكن واضحين، أنا لا أدعي أنني كاتبة مسرحية، أنا باحثة مسرحية أكثر مني كاتبة مسرحية، ولكن العام الماضي كتبت نصاً وقدمته للقراءة للطلاب في المسرح الدائري وكان الحضور كثيفاً خلال تلك التجربة، النص كان من وحي الواقع الراهن واسمه “وجوه وحكايا”، والجمهور كان متأثراً بما يسمع، خصوصاً وأنه عرض أدائي بسيط بمرافقة الموسيقا، حتى أن بعضهم طلب النص، أيضاً ومنذ مدة قصيرة وبعد عودتي من تونس حيث كنت مدعوة لمهرجان قرطاج المسرحي، قمت بإعداد نص مسرحي هو عبارة عن لوحات ومشاهد متعددة تتكلم عن الحرب، منها نصوص لـ “اسخيلوس” وأيضا لـ “إداورد بوند” أيضاً نصوص شعرية لـ “بول فاليري” قمت بإعداد هذا النص وفي نيتي إخراجه، وذلك بالاستعانة بخريجين بقسم التمثيل في المعهد، وقدمته لدار الأوبرا التي فتحت الباب لتقديم مشاريع لي ولغيري، وقدمته خلال عام 2016، فقالوا إنه يجب أن يقدم في مكتبة الأسد، وعندما قرأ وزير الثقافة التقييم الذي قدم له، قال إنه يجب أن يقدم في الدار، هاتفوني وطلبوا أن أقدم الميزانية، طبعاً قدمت ميزانية بسيطة، لمعرفتي بعدم توفر ميزانية كبيرة في الدار، ووضعت أجوراً ضئيلة للطلاب الذين تحمسوا للعمل معي، حتى إن بعضهم قال إنه لا مشكلة لديه أن يعمل بالمجان بما أن العمل سيكون مشتركاً بيننا، تواصلت معي مديرة البرامج في الدار وأخبرتني أنهم لا يدفعون أجوراً للطلاب،  وأخبرتها أن لا مانع في ذلك وعندما سألتها إن كان هذا سيسبب مشكلة في الموافقة على العرض أو رفضه، أجابتني بالنفي، وأنا شاهدت العديد من العروض التي قدمت في الدار وفيها طلاب، وفي شهر حزيران 2016، اتفقنا على أن يكون العرض في أيلول، ثم أخبروني أنه لا نقود لديهم، لذا سنضطر لتأجيل العرض حتى الـ 2017، أيضاً لم أمانع فأنا يعنيني أن أعمل في بلدي ومع مؤسساته الرسمية، لا أن أسافر للعمل خارجاً، وبعد فترة أخبروني أن اللجنة التحضيرية اجتمعت في الدار وأنهم رفضوا المشروع، وقدموا حججاً غريبة عجيبة، مثل موضوع الطلاب الذين وبالمناسبة لا يوجد غيرهم من يوافق على العمل بالمجان هكذا، هل أستطيع أن أجلب ممثلاً محترفاً ليعمل معي أكثر من ثلاثة أشهر بأجر لا يزيد عن السبعين ألفاً!، الأمر الأغرب هو ما ورد في السبب الثاني للرفض، بأن اللجنة لا تريد إلا العروض ذات السوية العالية في الدار، ولكن كيف عرفتم ماذا كنت سأقدم أنا وما هو مستواه؟ هل قررتم ذلك من النص الذي لم ترفضوه من الأساس بل قمتم بتأجيله بحجج متنوعة! رغم أن الوزير السابق وافق عليه، وكان الوزير الحالي أيضاً وافق عليه مع تأجيله لهذا العام، الآن وبعد كل هذا العناء والتنازل لأجل الصالح العام أخبروني عبر الهاتف اعتذارهم عن قبوله، الغريب أنه تم تقديم عروض لأشخاص تخرجوا حديثاً من المعهد ومنهم من لم يكمل دراسته فيه أساساً، لا كممثلين، بل كصناع وكتاب ومخرجين لهذه العروض! على الأقل أنا أعمل في المسرح منذ فترة طويلة، وأعرف المختبر المسرحي وما يعنيه وكيف يكون.
حاورها: تمّام علي بركات