ثقافة

أكاديمية الفنون في احتفاليتها: أفسحوا الطريق للمسرح

ربما لم يعد أحد من الدول العربية، بل حتى الكثير من بلدان العالم، يحيي اليوم العالمي للمسرح، كما نحييه نحن السوريون، بكل الحميمية والحب والمتعة التي تلمس شغاف قلوبنا بشكل خاص، حتى والمعركة محتدمة في الجوار، وعلى بعد رمية حجر من مكان الاحتفالية التي أقامتها الأكاديمية السورية للفنون، احتفاء بهذا اليوم، في قاعة سعد الله ونوس.
الحرب لن تمنعنا عن أشغال الحياة والفن والفكر، جمهورا وفنانين وإعلاميين، لأن علاقتنا ببساطة  مع هذا الفن علاقة صادقة، فيها ما فيها من وفاء لفن الجماهير العريق، وفيها ما فيها من دلالات على أن المسرح ورسالته السامية، هو واحد من رسائل السوريين الحضارية إلى العالم، بأنهم أهل فن وفكر ومسرح، وليسوا أهل إرهاب وقتل وتدمير، خصوصا في ظل الظروف المأزومة إلى حد تعطيل الفكر أحيانا، بسبب القسوة والحزن وغيرها من المشاعر التي يتقلب الإنسان على جمرها في زمن الحرب، وكعادتها أحيت الأكاديمية يوم المسرح العالمي على طريقتها وعادتها أيضا، بإقامتها احتفالية مسرحية رعتها وزارة الثقافة، لكنها جاءت بلا تسمية ولا عنوان، لتكون الاشتغالات التي قدمها طلاب المعهد العالي للفنون المسرحية بكافة أقسامه، في هذا اليوم المسرحي العالمي هي عنوان الاحتفالية نفسها.
وفي كلمة ارتجلها من وحي المناسبة لم يُبردّ وزير الثقافة الأستاذ “محمد الأحمد” قلوب المسرحيين، الذي يتفاءلون في هذا اليوم من كل عام، بصدور قرارات إدارية محدثة لقوانين المسرح، والعمل على تحديث البنية العامة  له، أيضا تحديث صيغ إتناجه البالية، التي لا تزال يُشتغل بها منذ أكثر من 40 عاما، والتي هي بحاجة ماسة إلى إعادة النظر فيها، وأيضا رفع الأجور إلى الحد الأدنى الذي يجعل فنان المسرح قادرا على الحياة من عمله المسرحي، لكن  الوزير توجه ليخبر أن اهتمام وزارة الثقافة في مديرية المسارح والموسيقا منصب على إعادة الحياة إلى خشبات المسارح السورية بحيث سيكون لكل صاحب موهبة مسرحية حقيقة، أن يكون لديه عمله المسرحي في المسرح القومي، وضرب أمثلة عن عدة فنانين عالميين حصدوا الملايين من هوليود ولكنهم يعودون بين الحين والآخر ليقدموا عرضا مسرحيا، يستعيدون فيه حاجتهم إلى الفن الحقيقي الذي يكتشفون فيه أرواحهم وطاقاتهم، الفن الذي يعبرون فيه عن ذواتهم. وهذا صحيح ربما، لكن من يعمل في المسرح لدينا، لم يجن الملايين، بل هو غير قادر على جني”الملاليم”، لذا فهو بحاجة إلى أن يقدم له دعم لائق بالفن المسرحي، وتكون المحاكمة على النتيجة، وهكذا سيسقط تدريجيا ضعيف الموهبة ويبرز من يستحق الرعاية، مع مراعاة الشرط الأهم في هذه الحالة، وهو نبذ كافة الأمراض البيروقراطية “والواسطات” والمحسوبية من خشبة المسرح، التي لا تورق إلا بأيدي أهلها.  أيضا كان لافتا ما قاله الوزير، في الرد على الدعوات التي أعلنت موت المسرح في يوم المسرح، حيث قدم هذا الرأي العديد من النقاد والكتاب العرب وغيرهم، الذين اعتبروا أن ظهور فن السينما قضى على المسرح تماما، لكن لا يمكن للمسرح أن يموت حسب رأيه، وما زالت المسارح موجودة ومديرية المسارح تقوم بعملها والعروض المسرحية مستمرة. وهذا صحيح.. نعم فما من فن خالد يموت ولكن يجب أن نعطيه أسباب الحياة، كما يجب النظر في القوانين القديمة التي تحكم العمل المسرحي، أيضا صيغه الإنتاجية ومسارح العرض، فالمسرح لدينا وبسبب كل ما سبق، لم يتحول حتى اللحظة إلى حالة ثقافية عامة لها أثرها الفعّال في المجتمع.
بالعودة إلى الاحتفالية التي قدمها طلاب المعهد العالي للفنون المسرحية بكافة أقسامه “سينوغرافيا، باليه، دراسات مسرحية، قسم التمثيل وغيرها”، وأشرف عليها وأخرجها الفنان “كفاح خوص”، الذي بذل جهدا كبيرا في التوليف بين هذا العدد الكبير من المشاركين في الاحتفالية المسرحية، بحيث يقدم كل قسم من أقسام المعهد خلاصة العلم الذي تحصل عليه في الأكاديمية، فقام طلاب السينوغرافيا، بتقديم فيلم قصير باسم “ثقب” الذي ذهب ليظهر التقنيات المدهشة التي استطاع هؤلاء الشباب تقديمها في الفيلم آنف الذكر، من خلال حكاية صامتة تطل على الوجع السوري. وكحل عملي للجموع التي اشتغل “الخوص” لتقديمها بأبهى حلة في هذه المناسبة، فقد جرى تقسيم الطلاب إلى مجموعات، لتؤدي دوراً عاماً، وهو أنها ستخضع لفحص القبول الأكاديمي الذي يجري عادة عند بداية الانتساب إلى المعهد للمتقدمين الجدد، ولا ريب قدم الطلاب مجموعة من “الاسكيتشات” المسرحية المبهجة والكوميديا، في المفارقات التي قدموها خلال العرض الذي امتد قرابة الساعتين والنصف.
شخصيا كنت أرى أنه من الأفضل لو تم جمع كل خبرات الطلاب، لأجل تقديم عرض مسرحي متكامل، يشتغل فيه الطلاب كل حسب اختصاصه، يكتب طلاب الدراسات النص، طلاب السينوغرافيا يقدمون الحلول البصرية وغيرها، مع العمل على تحقيق انسجامها مع أداء طلاب التمثيل والحكاية، أيضا طلاب الرقص يستطيعون المشاركة فيه وفق توليفة معينة لن يعجز عن إيجاد حلولها الفنية والقصصية طلاب الأكاديمية العريقة، بحيث يظهر هذا العرض في أبهى صورة ويقدم أفكاراَ مهمة وفرجة مسرحية ممتعة تبقى في أرشيف المسرح السوري، خصوصا أننا في احتفالية يوم المسرح العالمي، ولسنا في مشروع تخرج يتطلب التركيز على أن يبذل الطلاب أكبر الجهد لتقدير علاماتهم!.
الاحتفالية التي انتهت بجملة “أفسحوا المجال للمسرح” والتي وردت في كلمة المسرح العالمية التي كتبتها الممثلة الفرنسية “إيزابيل هيوبير” جاءت وكأنها صرخة من الطلاب، ليكون لهذا الفن حضوره الهام في الحياة الفنية والثقافية، فالمسرح يُعلم الحوار بناء على الأمثولة، وهذا ما نحن بحاجته الآن وبشدة.
تمّام علي بركات