ثقافة

رسالة علنية إليك وطني حبيبي

عما قليل أو بعد ما تبقى لي فيك من الكثير، وقبل أن أرنو إلى مسلسلات شرائط الأخبار والأسرار والمسلّات الواقفة أمام أهداب، عشقت الإصغاء إلى شتائم الانتظار، سأضع شراشف الحلم على طاولة فجرك، لأخط بك فجري عما كثير.

سأبدأ من أول السطر من حيث لا أنتهي عندك لأشرب ككل صباح قهوتي معك وكعهدي ووحدي معك لأصطنع تنهدات عقارب ذاكرتي القادمة من تنهدك، وقبل أن تجوب خواطر أناملي بيادر الأسئلة ومرافئ البسملة، وتتشرد على ضفاف المآذن وأجراس الأزمنة.. سأنهض الآن لأبدأ فجري السرمدي معك لأبعث منك سراً وعلناً إليك.. حبيبي.. صباحك أبدا خير.

وأما بعد

عما قليل سأبدأ نهار طريقي الطويل إلى حيث تكون أنا، وحيث أكون أنت وحدي لا غير، أنا الخرساء في عويل الرياح، أمضي الآن لقدري حاملة إياك زوادة لجوعي وغضبي، وأقتات كل حين زهدك زاهدة الآن بجسدي مطلقة عنان الصراخ والغناء كتابة وصهيلاً، أنا المتلظية بجمرك اللامتناهي وزعيق ودي وودك، ولأني لا أجيد اقتراف الحياد حيالك، أناجيك الآن همسة في ضجيج العبارات، علها تصل صوتي بصوتك على أروقة الورق المتساقط في أزقة الوثائق التي تمتهن تجفيف مداك وتعكير حبرك.. أناجيك الآن فالتقطني في بحر حزنك حرفاً مضرجاً باضطرابك غير آبهة بليلة السقوط.. والتقطني من غفلة الخوف ومكائد الصدور، حيث غلال من الأسوار يحاصر خصرك، فيتأهب نبضي من قلبي للفرار إذا قلت ثانية نبضات صدرك.. والتقطني أيها المهاجر في قصيدة من رذاذ دمعي لا يخيفها ولا يأسرها غضب المقامات ووجع القوافي، وراوية لحب عظيم لا يهرم، تسرد خبايا مجدك نهاراً آخر ورغيفاً آخر ونوراً آخر يتوج أساطير سحرك.

حبيبي

كم أشتهي الآن أن تحتسيني عطراً محبباً بين أصابعك، يهيم بعطفك لربما تمكنت من دخول الفردوس مرة أخرى، لأتذوق طعم نبيذ كرمك، وأتعمد بطهر صلواتك بعدما طردت منها تعسفاً إلى مناص الفناء والقبور بعيداً عن حدود اسمك.. أما اسمي لا اسم له بلا اسمك، وهم ينازعه ثغاء الصدى وغياهب السراب وتخامين الفقدان في مبايعات المدى.. أكذوبة بيضاء تُشتهى أن تصدق، ولا تُصدق إلّا بقربك.

حبيبي من يوسع لي الأماكن بعدك ووسعك عندي لا حد، لا طائفة، لا سياج له، إلّا روحي وأديان من عشق خرافي، تركن إليك، وتسجد خاشعة إلهة الفصول عند قلبك.. ألوذ ليلاً إلى عتمتك الباهرة لأدفن جثة أحزاني، وأترك جناحي يطير، ودمعي يسيل دون مهابة جلادي، وسياط ترهات من حولي وترهاتي، مصقولة بمدادك الذي يسوقني إلى الحكمة الباسلة، ويونع لغة جديدة فيّ لاستطراق أصوات جراحك التي هي جراحي من خبائث العابثين ببكارة صمتك والمرتزقة لقضية عذرية اسمك، كي لا أجد إعصاراً يطردني إلى تسوناميات التفاهات وخنجراً يذبحني من الوريد إلى الوريد.

هل تصدقني إن قلت إنني ما ارتويت من صراخي لك بعد.. ما ارتويت من إنشادي لهواجسك السمراء بإيقاعات بحرية.. ما العمل حبيبي بقلبي الذي اشتاق سلامك، وصدري الذي حنَ لعناق حجارتك وحاراتك.. لحنين عناوينك بيتاً بيتاً، وقرية قرية.. حيث الورد الجوري والغار.. حيث علوك يفترش دمي ياسمين، ويسقي خلاياي ترانيم لأتمكن من خوض حروبي وكل القارات، علّني أفوز بنصر فيك، واحد كما أنت فيّ واحد، لتتنهد الأزهار لربيعك، وتحتج الأشجار على خريفك، لتصعد الكلمات إلى قاسيون شموخك، لأرى كل الأسماء عارية من ألقابها، وكل المؤامرات ساقطة فوق مخططاتها، لأحزم حقائب هجرتي الأبدية إلى محطاتك قبل أن أنثر رماداً عند ضفاف وداعي الأخير.. لأحيا بك، ولأعلو لبرزخ سماواتك حورية حرة أبية (وطني) حبيبي.

رشا الصالح