في ندوة أدباء تشكيليون.. خالد أبو خالد رساماً
لم يكن الحديث عن الفن التشكيلي في الندوة التي عقدها ملتقى الفن التشكيلي مؤخراً في مركز ثقافي أبو رمانة بمشاركة الشاعر خالد أبو خالد والقاص أحمد عساف حديثاً عن القيمة التشكيلية لما أنجزه بعض الأدباء في مجال الرسم، أو اخضاع ما أنجزه فنان محترف يعمل يومياً في إنتاج اللوحة للمقارنة، وإنما -كما بيَّن المشرف على الندوة الفنان أكسم طلاع- رغبة في تسليط الضوء على تلك الحالة التي جمعت بين الكلمة ولغة الصورة، أي الإشارة إلى الفكرة بحد ذاتها، حيث أن الفن برأيه فكرة وما عدا ذلك ما هو إلا حوامل لها، في وقت اعترف الشاعر والمناضل خالد أبو خالد أن الحديث عن موضوع أدباء رسامين أو رسامين أدباء هو موضوع وارد في ظل عصر تداخل الفنون الذي نعيشه اليوم، حيث أن الرواية مركَّبة من فنون التشكيل والسينما والمسرح والسرد وكذلك الفن التشكيلي الذي يأخذ صيغاً مختلفة.
اللغة الأولى
وعلى الرغم من أن الرسم كانت لغته الأولى التي عبَّر من خلالها، إلا أن “أبو خالد” رفض أن يسمي تجربته في الرسم تجربة بالمعنى الشامل البانورامي والتي يمكن الحديث عنها نقدياً، وأشار إلى أنه منذ طفولته اعتاد أن يرسم على الجدران والأرض، ومن ثم على هوامش كتبه ودفاتره وحقائبه وحيث ما استطاع، موضحاً أن أساتذته في المدرسة كانوا يعلمونه الرسم بالمسطرة والمنقلة والمثلث، إلا أن التمرد الذي كان في داخله جعله يرفض هذا النوع من الرسم، ولا يميل لرسم الزخارف التي كانوا يرسمونها، لأنها كانت محكومة بأدوات لا يحب أن يحكم بها.
وبيَّن أبو خالد أنه لما كبر قليلاً وبدأ يتعرف على الفن التشكيلي، بدأ الحلم يكبر في داخله لأن يدرس الفن التشكيلي ويصبح فناناً، لكن تحقيق ذلك كان مشروطاً بعاملين لم يكونا موجودين في حياته، الأول هو الاستقرار المادي الذي كان من الممكن أن يجعله يسافر إلى روما للدراسة هناك، والثاني وجود شهادة ثانوية، لذلك كان البديل المتوفر هو التحاقه بالمرسم الحر للفنون الجميلة بدائرة المعارف الكويتية أعوام 1955-1956-1957 أي في فترة معركة بور سعيد والعدوان الثلاثي على مصر وحركة جماهيرية واسعة كانت تتصدى وتصمد وتنتصر، ما جعل أبو خالد يقيم أول معرض له تحت إشراف أساتذة مصريين وحمل عنوان “معركة بور سعيد” لتأتي تجربته الثانية فيما بعد بمعرض عن القضية الفلسطينية الذي بيعت فيه بعض لوحاته، ومن ثم حصوله على الجائزة الثالثة في إحدى مسابقات الفن التشكيلي في الهند، وتجربته في العمل بمجال الديكور في المسرح والتي جعلته يتعرف على أبعاد التجربة في نقل الحياة إلى خشبة المسرح.
في دمشق
حين وصل أبو خالد إلى دمشق للمرة الأولى في خمسينيات القرن الماضي اتجه إلى مرسم الفنان ناظم الجعفري، الذي أقام عنده مدة عشرة أيام رسم فيها في مرسمه وتعرَّف على كبار الأدباء والرسامين في سورية، وكان سعيداً بذلك لأن التداخل في عناصر الثقافة كان يدفع بالإبداع نحو الأمام وكان أكثر ما يلفت انتباهه في تلك الفترة، مستذكراً كذلك كيف انتسب لمعهد أدهم إسماعيل عام 1968 وفيه تعرَّف على طارق الشريف ووليد عزت وأحمد عرابي، ومن ثم تعرف على أساتذة كبار مثل نزار الصابوني وميلاد الشايب ونصير شورى الذين تعلَّم منهم كيف يمارس الحياة من خلال التشكيل، وبيّن أبو خالد أنه لم يمسك الريشة ما بين مغادرته لدمشق 1958 ولغاية عودته إليها عام 1971، حيث عاد للفن من خلال فن الملصق الذي كان يحبه وجعل عمله فيه لخدمة الثورة الفلسطينية، ونوه في هذا المجال للدور الذي لعبه الفنان الراحل نذير نبعة الذي لم يتقاضَ قرشاً واحداً عن ملصقات الثورة الفلسطينية التي صممها، وكذلك الفنان برهان كركوتلي الذي زاره أبو خالد حيث مكان إقامته في ألمانيا لشكره باسم الشعب العربي الفلسطيني على الخدمات التي قدمها للثورة الفلسطينية.
وأكد أبو خالد أنه حتى الآن لا يستطيع أن يطلق على نفسه صفة فنان، ولا يجرؤ على توقيع لوحاته، لأن الفنان برأيه هو عامل في الفن يكتشف يومياً قيماً لونية وتشكيلية، في حين أن ظروفه في التشرد ومشاركته في الثورة الفلسطينية لم تتح له فرصة العمل اليومي في الرسم.. من هنا لم تأخذه الرياح لرحاب الفن التشكيلي، وصارت الكتابة بالنسبة له العمل الأسهل على صعيد إمكانية القيام بفعل الكتابة تشكيلياً في النص في أي مكان وزمان، واعترف أنه ما زال يحلم بكتابة روايته الأولى وبإقامة معرضه الشخصي.
الفنون مفتوحة على بعضها
برؤية شبه بيبلوغرافية وفلاشات سريعة تحدث القاص أحمد عساف في مداخلته عن قامات أدبية استهواها الفن التشكيلي، وعن قامات في الفن التشكيلي استهواها الأدب ويأتي في مقدمتها الشاعر أدونيس الذي أقام عدة معارض فردية في باريس، منها معرضه الذي تزامن مع صدور مجموعة شعرية له، ونوه إلى معارض أخرى كان أدونيس قد أقامها في عواصم ومدن عربية، وتم فيها اقتناء عدد كبير من لوحاته، وأهم ما يلفت الانتباه في تجربة أدونيس في الرسم -برأي عساف- أن تجربته الحداثية في الشعر لم تنعكس على لوحاته، وأشار عساف في سرده البيبلوغرافي أيضاً إلى تجربة الروائي والقاص جبرا إبراهيم جبرا في الرسم الذي يعدّه أهم من ترجم أعمال شكسبير للعربية، وقد قال في أحد حواراته كما أورد عساف: “أستغرب كيف يستغرب الناس أن يكون فناناً تشكيلياً” ووجد عساف أن مثل هذا التبرير جميل وهو ينطلق من حقيقة أن كل الفنون مفتوحة على بعضها، فكما أن الرواية تستفيد من المسرح كذلك الفنان يستفيد من كل الفنون الأخرى، وأوضح أن إبراهيم جبرا وكما كان يصرح في حواراته كان شغوفاً بالرسم ويطمح لأن يصبح فناناً، إلا أن الكلمة سبقته، ومع هذا أقام عدة معارض فردية، وكان في سنواته الأخيرة صديقاً للفنان التشكيلي الفرنسي هنري باتيس، كما أوضح عساف أن الشاعر نزيه أبو عفش الذي كان يرغب في دراسة الفن لم يشجعه المحيطون به على دراسته، وكان يُنظَر إلى الفنان -كما ذكر أبو عفش في أحد حواراته- الذي يريد دراسة الفن كما يُنظَر للفتاة التي تتعلم الرقص لترقص في الملاهي الليلية، وأشار عساف إلى عدة معارض أقامها أبو عفش في بيروت، ونوه إلى تجربة أبو عفش في فن الايقونة الذي تميز به إلى جانب أشكاله ووجوه لوحاته الحزينة والمنكسرة والمقهورة.
أمينة عباس