ثقافة

عفراء هدبا: الكتاب هو الحقيقة.. ودار دلمون تطلق مسابقة الدار للشعر

ليس عن عبث، أو من باب تجريب الحظ، تذهب المهندسة الميكانيكية عفراء هدبا، لأن تقوم بتأسيس دار نشر، وتفعيل عملها في الفترة التي انكفأت فيها معظم دور النشر عن العمل، فالسيدة التي تضم مكتبة بيت عائلتها التي نشأت في كنفها أكثر من 10000 عنوان لأهم الكتب العربية والعالمية وبمختلف اللغات.. هذا الوسط ربّى وجدانها وعلاقتها مع الكتب، علاقة تراها “عفراء” لا بديل عنها، لا الآن، ولا في المستقبل، فالكتاب هو الحقيقة دائماً، وهذا كان دافعاً مهماً في حياتها الشخصية لتأسيس دار “دلمون” للنشر، وكان لنا مع مديرتها ومؤسستها الحوار التالي:

< بداية لو تعطينا وللقراء لمحة عامة عن دار “دلمون” للطباعة والنشر؟.

<< يأتي إنشاء مؤسستنا ضمن سياق الجهود الكبيرة التي ظل العديد من دور النشر العربية يشارك فيها لتفعيل الثقافة العربية ونشرها وبناء الجسور مع الثقافات الأخرى في شتى أنحاء العالم، إضافة إلى ذلك، فإن التطور الهائل الذي نشهده اليوم في مجال تكنولوجيا المعلومات بما فيها وسائل التواصل الاجتماعي والانتشار السريع للمعلومات وغزارتها على مواقع الانترنت قد وفّر إطاراً فعالاً ومؤثراً لحوار واسع، تشارك فيه فئات واسعة من المتعلمين في شتى أنحاء العالم العربي.

وللمساهمة في دعم وتطوير هذا الحوار الواسع، وجدت دار “دلمون” أن نشر الكتب المعمِّقة لهذا الحوار –سواء المؤلفة عربياً أو المترجمة من لغات أخرى- هو النهج الذي ستسير عليه.

بصيغة أخرى: المساهمة في تعميق حوار الحضارات عبر تبني الدراسات الجادة في ميادين الدراسات الانثروبولوجية واللاهوتية والعلمية والسياسية والفلسفية والأدبية، وضمن هذا السياق فإن دار “دلمون” ستسعى إلى المساهمة في ترجمة الكتب العربية المحفزة للحوار لدى القارئ الأجنبي إلى عدة لغات أجنبية.

< متى بدأت الدار نشاطاتها؟.

<< بدأت الدار نشاطاتها بإصدار الطبعة الثانية من رواية كوميديا الحب الإلهي للكاتب والروائي العراقي لؤي عبد الإله في مطلع عام 2014، ومن ثم إصدار الطبعة الثانية من مجموعاته القصصية الثلاث “العبور إلى الضفة الأخرى، وأحلام الفيديو، ورمية زهر” في العام نفسه، وصدرت أيضاً مجموعته القصصية الرابعة “لعبة الأقنعة” قبل شهر للمؤلف نفسه.

< لكن لماذا الآن وفي سورية التي تمر دور نشرها الخاصة والعامة بحالة صعبة اقتصادياً؟.

<< الآن وغداً ودائماً كانت سورية، وستبقى منارة وبؤرة إشعاع ثقافي وحضاري، ويجب أن تستعيد هذا الدور انطلاقاً من المقومات التي توفرها البيئة الثقافية فيها، والتي طالعتنا بأسماء لامعة لمبدعين كبار على المستوى المحلي والعالمي، ورغم الجرح النازف الذي تعيشه سورية في أتون أزمة أفرزت الكثير من التداعيات والتحديات على الواقع الثقافي، إلّا أن إرادة الحياة في هذا البلد الأمين، تنتصر اليوم لصالح الثقافة والفكر والإنسان، الذي يُعدّ اللبنة الأساس في إعادة البناء والإعمار.

< ما مدى قيمة الفكرة من كون هذه الدار سترفد المكتبة السورية والعربية بكتب قيمة في ظل تراجع الكتاب العربي في العالم بشكل عام وسورية بشكل خاص؟.

<< لا شك أن الكتاب العربي يعاني من تراجع، والقراءة عموماً في منطقتنا العربية ما زالت دون مستوى الطموح، في مجتمعات تعاني من تفشي الجهل والأمية، ما جعلها عرضة لتيارات التطرف الديني والفكر التكفيري، هذا الواقع يحمّل العاملين في قطاع النشر والتأليف مسؤولية التصدي لهذه العوامل، عبر المنتج الثقافي الجيد الذي يسهم في بناء العقل السليم، وهذا ما نعمل عليه في دار دلمون للنشر، بهدف تقديم الكتاب الجيد والعناوين التي تلامس هم الإنسان العربي، وتسهم في تحسين واقعه وتقود عملية التغيير في المرحلة القادمة بعقلية علمية منفتحة قادرة على خلق حالة تفاعل اجتماعي خلاقة ومبدعة.

< أنتِ مهندسة ميكانيك وتعملين في الشأن الإعلامي وقادمة من خلفية ثقافية عالية، إلى أي مدى يساهم هذا الحضور الثقافي في شخصيتك في رفد الدار بالمنتج الجيد من الأدب بشكل خاص؟.

<< رغم أن دراستي الأكاديمية في مجال الهندسة وأعمل في مؤسسة إعلامية وأحترف القراءة والنشر في ميولي وهوايتي، إلا أن ثمة علاقة بين هذه التوجهات باعتبار أنها تفضي إلى هدف واحد، وهو الارتقاء بالأداء والدقة في العمل، والتنظيم، وكلها معايير يجب توافرها لتقديم المنتج الثقافي الذي يليق بالعقل العربي، وهذا ما أعمل على استثماره في دار “دلمون” بوجود، طبعاً، مجموعة من الكتاب والنقاد والمترجمين الذين يضعون السياسة العامة لعملنا وبشكل منهجي وعملي.

< هل ستكون الدار مفتوحة لكل من يريد أن ينشر كتاباً وما الشروط للنشر؟.

<< الدار لا تشترط إلا جودة المنتج وموضوعية الطرح وملامسة الحقيقة، والإبداع هو السمة المشتركة لكل الأعمال التي تسعى إلى نشرها لتقديم الفائدة والمتعة في آن معاً، والمساهمة في تحفيز الكتّاب وتفعيل الحالة الثقافية في سورية والمنطقة العربية، لا أخفيك الكثير من المواهب الأدبية السورية، لا يوجد منبر حقيقي يحتضن تلك الشاعرة أو ذاك الروائي، إن كان لديه ما يجب أن يظهر للقراء، وفي سياسة الدار، هذا موضوع في الحسبان.

< متى برأيك تكون دور النشر عموماً مسؤولة عن إيجاد حالة ثقافية فكرية في منطقة تعج بالحروب؟.

<< في مرحلة الحرب تصبح المسؤولية أكبر، لأن الحرب الثقافية هي الأكثر خطورة بآثارها ونتائجها على العقل العربي، وتتمثل بالغزو الثقافي والاستلاب الفكري، وهذا ما يضع دور النشر أمام تحديات كبيرة في التصدي لهذه الظواهر بالإضافة إلى دورها في مواجهة التيارات السلفية والتكفيرية، التي تحاول النيل من بنية المجتمعات العربية والعودة بها إلى عصر الظلمات، وهذا جزء من حربنا الثقافية التي نتطلع إلى الانتصار فيها عبر سلاح الكلمة وهو الأقوى.

< ما هي الكتب التي تعنى الدار بنشرها؟.

<< تسعى دار “دلمون” في منتجها الثقافي والفكري إلى مد جسور التواصل مع الثقافات الأخرى عبر عملية النقل، والترجمة، ونشر ثقافة التنوير، وذلك من خلال تبني الدراسات الجادة في ميادين الأنثروبولوجيا، واللاهوت، والعلم، والسياسة، والفلسفة، والأدب، لتلبية حاجة القارئ العربي على تنوعها واختلافها، أيضاً سيكون علينا أن نتوجه نحو ما يرتقي بالذائقة الأدبية والعلمية على حد سواء عند القراء، فالقارئ اليوم بحاجة ماسة، وسط هذه الفوضى، لمن يدله إلى الكتب التي تستحق أن يهدر وقته الثمين لأجلها، خصوصاً أن المكتبات تعج بكتب لا قيمة فكرية، أو أدبية، أو علمية حقيقية فيها، وهذا لأسباب كثيرة ليس مقام إيرادها وارداً الآن.

< هل ستكون لمنتجات الدار أية مشاركة في معارض داخلية وخارجية؟.

<< ستكون المشاركة في المعارض الداخلية والخارجية من الفعاليات التي تتبناها دار دلمون للوصول إلى القارئ العربي، والتعرف إلى سوق الكتاب، واكتساب الخبرة من خلال الاحتكاك المباشر بالمناخ الثقافي الذي تتيحه المعارض، وسنعمل جهدنا لكسر هذا الحصار الثقافي الجائر على المنتج الثقافي السوري، فصوت المثقف السوري الحقيقي يجب أن يصل مشارق الأرض ومغاربها، كما كان حاله في عصور مضت، ونحن بصدد دراسة مجموعة من الخطوات والإجراءات التي ستتيح لنا هذا في المستقبل القريب كما أتمنى.

< ما الذي تعد به دار دلمون قراءها والكتّاب؟.

<< تعد الدار قراءها بتقديم الجيد والمفيد في إنتاجها القادم، وفق استراتيجية تعمل من خلالها على رصد حاجة السوق العربية والمحلية- السوق لا بمعناه التجاري، بل بمعنى أنه المناخ المناسب- ومتطلبات المرحلة القادمة من الفكر، والأدب، والسياسة، كما ستعمل على دعم المواهب، وتبني الطاقات المبدعة لتكون رافداً ثقافياً، ورافعة للثقافة في المرحلة القادمة، تأكيداً على تواصل الأجيال المبدعة، واستمرار شعلة الثقافة عنواناً للحضارة والريادة التي انطلق إشعاعها من أرض سورية ليصل إلى العالم أجمع، واسمح لي أن أطلق عبر منبركم الكريم مشروع جائزة دار “دلمون” للشعر هذا العام، حيث ستستقبل الدار كل الأعمال الشعرية التي يرغب الشعراء الشباب في نشرها، وسيكون الفائز على موعد مع النشر المجاني لمجموعته الشعرية، مع ما يليها من حضورها للمعارض التي ستشارك فيها الدار، وفي العام القادم ستكون جائزة الدار للرواية، وهكذا، وبالنسبة لشروط المسابقة فلا شروط إلا التي ذكرت سالفاً، مع تأكيدي على جيل الشباب باعتباره بحاجة ماسة لمن يقول له: هات يدك بمودة فعلاً، طبعاً ستكون لدينا لجنة قراءة مؤلفة من شعراء، وكتّاب، ونقاد معروفين، ومشهود لهم بالخبرة والمهنية، وهذه اللجنة هي من سيكون لها القرار الحاسم في الخيار، وسنعلن في وقت لاحق موعد بدء تقديم الأعمال المتبارية.

تمّام علي بركات