ثقافة

في معرض باسم دحدوح الزراعة قبل فوات الأوان

قدم الفنان التشكيلي باسم دحدوح معرضه الجديد في صالة الآرت هاوس ببيانه المنشور في بروشور المعرض والمتضمن سؤاله المسؤول الذي يشغل كل فنان مبدع: “هل ننجح في زرع شيئا من طيب في رحم هذه الأرض قبل فوات الأوان”.

لعل هذا السؤال الجوهري الآن في زمن معايشة الألم والحرب ونزوع البشر نحو التشيؤ والفداحة والتغول والإصرار على القبح ودحر الجمال، هو الأمر الجلي في أعمال الفنان التي تدور في موضع خطير يصور فيه الملامح المنهوبة للإنسانية، والمتعايشة مع حيزها الجديد والمغلق في توابيته المهيأة لهذا الجسد المبتذل الذي يعلو رأسه قرني الثور المعد لحلبة العرض حيث الموت ومتعة القتل التي تفوح في حيز انعدام الهواء واللون:

“كلمة الفن ليس فيها شيء مطلق دوما، فهناك دعوة للتجريب المستمر لتعميق معارف الأداء ورفدها بكل ما هو جديد، ليعيش الفنان والمتلقي على حد سواء متعة الدهشة في اللوحة، ليس هناك تابوهات.. هي مغامرة دائمة في عوالم الروح في رهان على عدم سكونية الفن.

لهذه الأعمال ما يبوح بما لها وما عليها دفعة واحدة، ففي لحظة من التماهي مع العمل يمكننا أن نرى ما حملت آثامنا، عندها قد يتسنى لك سبر أغوار الماوراء في هذه الأعمال، وتصبح كما كانت مرآة للذات “الإنسان الثور” “الثور الإنسان” محاولة لسكب طزاجة الألم على سطح اللوحة.. لوحة تحاصر شخوصها في محاولة لتأليه الإنسان أو أنسنة الآلهة. مفردة الثور ذريعة لتعيش وتنجز بعيدا عن المباشرة في رصد الآلام، هذا الكائن ليس ذكرا ولا أنثى.. وليس ثورا ولا إنسانا.. إنه “النحن” في زمن رديء لابد لنا فيه من متنفس نقول عبره إننا ما زلنا أحياء وعشاق للحياة”.

لكن الفنان يوسف عبد لكي له رأيه في تجربة الفنان باسم بعيدا عن لغة الأدب وبلاغة التأليف، يقدم نصه حول القيمة التقنية وآلية الحوار المادي بين الفنان وسطح اللوحة معترفا أن باسم رسام بامتياز يقتحم حصون اللون ويحيل تناقضاته إلى ألعاب ممتعة بين يديه: “سيقف المشاهد أمام موضوع المعرض الجديد، وأنصحه ألا يقف أمام ذلك طويلا، بل عليه أن يرى ما هو أهم: غنى السطح وحيوية التقنية والخبرات الغرافيكية إضافة لسلوك الفرشاة الحر، عندها ينتقل من الأدب إلى الجوهر البصري، ففي التشكيل السوري منذ مئة عام فنانون رسامون “كيالي وعلواني” حصانهم الخط، وفنانون ملونون مركبهم اللون “نصير شورى وفاتح المدرس”.

باسم دحدوح يضع قدما في الخط وأخرى في حقل اللون، مثله مثل محمود حماد ونذير نبعة، والأمر ليس سهلا لأن طبع الرسام عادة يغلب التطبع، وعلى الفنان أن يتمتع – إضافة لموهبته– بإرادة صلبة ووعي للمعضلة ليستطيع الانتقال من هنا إلى هناك، أو ليصهرها في بوتقة واحدة و”باسم” يفعل ذلك بسلاسة. ففي أعمال نرى غريزة الرسام الغرافيكي تسحبه ليكثف الخط هنا أو ليؤطر أشخاصه بلون أزرق هناك، أو ليؤكد تفاصيل رسم اليد هناك، أي أنه ينحاز للخط على حساب اللون ولكنه في أغلب الأعمال يمسك بذلك التوازن الخطر بينهما ليعطي لهذا حقه ولذاك مداه، عمله مركّب، فهو لا يقف أمام اللوحة وينهيها دفعة واحدة، فهو يلجأ إلى لصق قطع القماش والورق ومن ثم يهيئ اللوحة باللون وفق منظومة تجريدية كمقدمة للبحث في العمل المنشود مثل دندنة قبل العزف، والمرحلة اللاحقة هي مرحلة العراك الحقيقي مع السطح، حيث يحدد بقلم الفحم الأسود أشكاله الواقعية في حوارية التأكيد والمحي التي تقع بين الشاعرية والعاطفة وإحكام العقل، والأمر ليس سهلا، بل يحتاج إلى ميزان دقيق.. إنه أشبه ما يكون في معركة الأدوات”.

أكسم طلاع