أحلام غانم.. تبحث عن آدمها الضائع
شهدت خشبة المسرح القومي بطرطوس عرضاً مسرحياً شبابياً بعنوان: (وأبحث عن آدم)، تأليف الأديبة أحلام غانم، وإخراج سامي أحمد، بتعاون مشترك بين شعبة المدينة الثانية لحزب البعث العربي الاشتراكي، ومجموعة سيدات سورية الخير.
وإذ تحاكي المؤلفة المشاعر العاطفية الجياشة لدى المرأة في بحثها عن رجل مفتقد يجسّد أمنيتها في الحب الكبير، ويردم الفراغ الداخلي، وخواء الأحاسيس لديها، فإنها تعقد مقاربة بين البطلة الأنثى، والوطن الأنثى، فسورية في خضم أزماتها الداخلية والخارجية تفتش عن آدمها الذي سيحتضن أحلامها، وأمانيها بالسعادة المرجوة، ويطهر أرضها من رجس الإرهاب، فتجد حلمها المنشود في شخصية الجندي السوري، وفي تصديه للمؤامرة على الوطن، ومصير الوطن، متماهياً في مهمته البطولية، متوّجاً ملاحمها في الشهادة.
امتاز النص برحابة الرؤية، وغنى المعالجة، وانفتاحها على آفاق فلسفية ومثيولوجية فسيحة نأت بالمغزى الوطني عن المباشرة والتقريرية إلا قليلاً، وهذا– القليل- كان متعمداً من حيث أن العمل يخاطب الشباب، ويستهدف الجيل الصاعد، ليس فقط ككادر عمل، وتمثيل، وإخراج مسرحي، بل كجمهور عرض، علماً بأن المتلقين كانوا تشكيلة غنية من كل فئات وشرائح المجتمع، وهذه مزية تحسب للكاتبة التي نجحت في تحييد نصها المسرحي عن الخطابية والتقريرية الجافة، وعكست من خلاله ثقافتها، وفهمها للواقع وللحياة، مازجة الخاص بالعام، والحلم بالحقيقة، والذاتي بالموضوعي، لترسم أبعاد المستقبل بعين ناقدة، وبمعطى راهن يعيد قولبة وصياغة المستقبل بما يعكس آمال الفرد والوطن معاً في حياة أفضل.
كما امتاز الخطاب الموجه للإرهاب وفصائله المختلفة في أقسى نماذجه (تنظيم داعش) بالتعرية العقائدية، وفضح العقلية الوهابية الإلغائية التي تصادر الحريات، والكرامات، والمصائر الفردية والجمعية، متسلّحة بإسلام (مزيف)، ومفرغ من محتواه الفكري النقي، ومن جوهره الإنساني الأصيل، فحامل راية الإرهاب والتصفية الدموية شخص سلبي، عدواني، نمطي، أحادي الرؤية، لا يتقبّل الحوار، ولا يفهم ما يقال، وهو رجل (ينظر إلى المرأة من نصفها الثاني، ولا يرى عقلها، والحاجة الفكرية والمعرفية، على حد تعبير الكاتبة، وسفور المرأة وتحررها من القيود الاجتماعية والعُرفية التي تحد من تطور شخصيتها ونضجها المعرفي والاجتماعي والسلوكي هو جريمة لا تغتفر، لا براءة منها إلا بالزواج ــ إكراهاً ـــ وبالمشاركة في جهاد النكاح.
وعمدت المؤلفة إلى استحضار رموز العفة من النساء المجاهدات الخالدات في وجدان المجتمع الإسلامي مثل فاطمة وزينب وعائشة أمهات المؤمنين، فهي أي (المرأةــ البلد) حفيدة لهن ورثت معاناتهن وتاريخهن النضالي، وهاجسهن الكفاحي والوطني بتوحيد أمة الإسلام تحت راية واحدة، وهؤلاء الأمهات لطالما وقفن إلى جانب الموحدين المسلمين وآزرن جهودهم للحفاظ على لحمة المجتمع وتعاضد أفراده. واستحضرت بالمقابل رموز الجهاد الإسلامي العريق، المنفتح على الآخر والداعي إلى السلام والمحبة.
وعقد النص قراناً دلالياً مابين المضمون العميق وعناصر الطبيعة ومكوناتها الأصيلة التي تشير إلى النماء والالتصاق بالأرض وبالهوية الجغرافية كالقمح والرشيم والنخل. ولجأت إلى التضاد في التعبير (أنا الأم وأنا العذراء، أنا أم زوجي …الخ) لتكسب حواء بعداً اجتماعياً ومصيرياً واسعاً شاملاً ولتؤكد بأن (الأنثى هي الأصل والبداية) وستبقى الحافز الأزلي والأبدي للحث على النهوض من الكبوات ومتابعة المسير والتقدم.. مستلهمة أقدم الأساطير (أسطورة آدم وحواء) وجناية التفاح والعقاب الإلهي المتناسل والمتوارث عبر الأجيال والذي يتمثل في شقاء الخليقة تكفيراً عن الذنب الأول للبشر، وشقاء حواء ذاتها في بحثها عن آدم مفترض ومخلص.
وإذا كانت الفلسفة بُعداً ومفهوماً تـُعنى بالحكمة وبالأفكار المستنبطة بالعقل وإعمال الفكر بالموجودات ومبادئها وعللها، فقد نجحت الكاتبة في نص (وأبحث عن آدم) في إخضاع التجربة النضالية الميدانية والعقائدية للجيش السوري للاختبار، وفي تحليل أبعاد الأزمة في سورية بعمق ودراية تستقطب المتلقين كباراً وصغاراً، فعلى مدى ساعة من الزمن اغتنى العرض المسرحي بالتفسير العقلي وبالتأويل المنطقي الذي قدم عبراً ودروساً من الماضي، ينبغي المراهنة عليها والاتكاء لفهم الحاضر بتلوناته، بتقلباته وبذبذباته وخاصة في مظهره السياسي والوطني، حيث تطفو على السطح أهمية الهوية والانتماء والالتصاق بتراب الوطن وبرحم الأم الكبرى سورية.
ميرفت علي