ثقافة

المرأة في الإعلام والدراما

قدمت الأديبة وكاتبة الدراما سلمى اللحام في ثقافي “أبو رمانة” محاضرة قيمة، لاقت حضوراً واهتماماً لافتاً، وحملت عنوان: (المرأة في الإعلام والدراما السورية).

وكما نعرف فإن قضية المرأة من القضايا الإشكالية التي تغري الباحثين بالخوض فيها، وهي مازالت تطرح عدداً كبيراً من الأسئلة دون أن تلقى إجابات قاطعة.

الأديبة اللحام وثّقت لنهضة المرأة السورية التحررية والوطنية، بدءاً من ماري عجمي التي كانت أول امرأة سورية أصدرت مجلة “العروس” في عام 1910، وكرّستها منبراً للرجال والنساء ممن حملوا قضية المرأة، وناصروها، ودافعوا عنها من رواد عصر النهضة العربية، كما كانت عجمي مناضلة صلبة ضد الفرنسيين، وقد تعرّض خطيبها للسجن انتقاماً من مواقفها الوطنية والتحررية.

ومن  النساء الرائدات نازك العابد التي أسست الندوة الثقافية السورية وذلك في عام 1920، وفي عام 1945 نظمت عادلة بيهم الجزائري مظاهرة في دمشق من خمسمئة امرأة لمطالبة فرنسا بمنح سورية استقلالها، وفي خمسينيات القرن الماضي كانت المعلمات تذهبن إلى مدارسهن سافرات دون أن تقابلن برفض أو اعتراض!.

نعم يمكننا القول: إن المرأة السورية بدأت تتلمس طريقها نحو التحرر مع انطلاق عصر التنوير، لكن معظم الحالات كانت فردية تعتمد على شخصية المرأة وصلابتها وقوتها، دون أن تكون هناك قوانين تحميها وتدعمها.

أما الثورة الحقيقية في واقع المرأة فقد بدأت بعد ثورة آذار في عام 1963، كما تقول اللحام، وتحديداً بعد عام 1970، حيث دفع الرئيس الراحل حافظ الأسد بقضية المرأة إلى الواجهة، وصدرت حزمة من القوانين التي تحميها وتعزز حضورها في كل المواقع وعلى مستوى القرار، وعلى رأسها الدستور الذي يساوي بين المرأة والرجل في الحقوق والواجبات.

يجب أن نعترف أنه كانت هناك إرادة سياسية قوية لدعم المرأة ومساواتها، ليس تحت ضغط المنظمات الدولية التي تزعم الدفاع عن حقوق الإنسان والمرأة، بل انطلاقاً من الإيمان بأن المرأة هي نصف المجتمع، وهي تربي النصف الآخر، ولا يمكن النهوض بالمجتمع دون تعليم المرأة، وتوظيف طاقاتها، وهذه الإرادة السياسية  تبناها – تقول اللحام – الرئيس الراحل حافظ الأسد، وكذلك الرئيس بشار الأسد، وتمثلت في تقلّد المرأة للمناصب السياسية، فقد حملت الأديبة الدكتورة نجاح العطار حقيبة الوزارة في عام 1976 لأول مرة، ثم عينت نائباً للرئيس، والأديبة كوليت خوري مستشارة للرئيس للشؤون الثقافية، أما الدكتورة بثينة شعبان، فقد كانت وزيرة للمغتربين قبل دمجها مع وزارة الخارجية، أما اليوم فتتولى منصب المستشارة  السياسية  والإعلامية، وإضافة إلى هذه المواقع القيادية للمرأة، فهي قاضية وسفيرة ومهندسة وإعلامية ومعلمة، ولم يعد وجودها رمزياً في أية مهنة، بل أساسي، وأحياناً يتفوق على وجود الرجل.

والسؤال الذي يمكن طرحه في هذا السياق هو: إذا كانت القوانين تساوي بين المرأة والرجل، وهناك إرادة سياسية تدعم حضورها، فلماذا تشكو ومما؟ ثم كيف عكست الدراما ووسائل الإعلام قضيتها؟.

إن جميع تشريعات العمل تطبق على المرأة والرجل وعلى رأسها المساواة في الأجر، مع بعض التمييز لصالحها كإجازة الأمومة، ومنع تشغيلها ليلا، لكن جميع النساء يشكين من قانون الأحوال الشخصية الذي يكرّس التمييز ضد المرأة، وهو يستمد أحكامه من الشريعة الإسلامية، إضافة إلى عامل أساسي آخر، وهو الثقافة والموروث الاجتماعي.

الدراما السورية، عكست هذه القضايا، وناقشت مشكلاتها المستجدة، وتبنت في أعمال كثيرة قضاياها، ودافعت عنها، وطبعا هناك أعمال وخاصة الممولة من دول الخليج تصر على تقديم المرأة السورية النمطية، والمثال الحاضر هنا هو باب الحارة!.

أما المرأة في الإعلام، فلم تكن في مواقع صنع القرار إلّا في حالات قليلة على الرغم من أنها تشكل أكثر من ثلاثين بالمئة من العاملين فيه، إلّا أنها كانت صاحبة مبادرة وحضور فاعل في طرح مشكلات المرأة والدفاع  عنها.

في النهاية يمكن القول: إن حالة المرأة ترتبط بحالة المجتمع، فإن كان في حالة نهوض، فسينعكس ذلك على المرأة، أما في حالة الضعف والانحطاط، فإن أكثر من سيعاني من نتائج هذه الحالة هن النساء.

واليوم تتعرض سورية لأشرس حرب تشن عليها، وبكل الأسلحة العسكرية والسياسية والإعلامية منذ سبع سنوات دون توقف، وقد كانت المرأة أكبر الخاسرين من هذه الحرب القذرة، ويوميات هذه المأساة وتفاصيلها يمكن أن تشكل مادة غنية لكتّاب الدراما لتقديمها في أعمال عن هذه المرحلة السوداء من تاريخ بلدنا، كما أن الإعلام يتحمّل مسؤولية كبيرة في تناول هذه المرحلة، وانعكاساتها على حياة الإنسان، وبشكل خاص المرأة.

لقد قدّمت الأديبة اللحام محاضرة قيّمة وغنية، أعادت الاهتمام بقضية المرأة إلى الواجهة في الوقت الذي  يتركز فيه كل الاهتمام على الحدث السياسي والعسكري.

سلمى كامل