ثقافة

نضال خويص: لاضوابط تحدد الفن في أطره العامة

ها أنا في رحاب الجمال والإبداع، أرسم الرؤى والكلمات، إنها اليد التي تصوّر الشعور بألوان السماء، وترب الأرض، ولون الربيع، فتصوغ من حبات الشتاء، وريش الحمام معاني تبلغ حد التراتيل، فمن حدائق الرجاء وفراديس الجمال المتأصلة في فكره ونفسه ينبثق الدفء ومن صقيع المشاعر المتوارية بين حمرة الجوى وأسترة الرماد، يطل فنان متأصل بموهبته، وجذوره، وثقافته العميقة، يرسم بطريقة الاختزال منفرداً بأسلوب جميل يصح فيه السهل الممتنع، وقد يجرح لوحته بتشطيبات يضيف فيها من روحه المجروحة معاني عظيمة بلمسة شجن خلاقة ينبثق من هيولتها أمل يشع من كل لوحة، فلوحاته تحمل عنصر الإدهاش من خلال لجوئه إلى فن الإيحاء بمونولوج قائم وحوار مستمر بين شخصيات اللوحة والقارئ، إنه نضال خويص، الفنان الذي فارق أصالة النموذج، وفرادته من غير اغتراب وإغراب، لكنه يطل ضمن الوجود المتعين بجناحين من رغبة التجديد، والبحث، والاكتشاف، وآخر من الثورة (من وعلى الواقع)، وفي حوار مع الفنان كانت لنا عدة تساؤلات معه:
كيف ترى الفن التشكيلي اليوم؟.
أراه متنوعاً غنياً بالموضوعات والأساليب، يشكّل حالة ازدحام في الرؤى بسبب انخفاض الجانب النقدي الموضوعي، ونجد الاختلاف في التصنيف والتقييم، لا توجد ضوابط تحدد أطره العامة إلا في بعض المدارس المعروفة وبشكل نسبي.
ما الذي يؤثر في فنك؟.
تؤثر فيّ نزعة ذاتية هدفها التجريب، والبحث، والتقصي في عالم اللون ومقالاته، والتعبير عن الجوانب الروحية الكامنة في العنصر البشري، متماهياً مع الطبيعة، والفضاء الكوني.
ما الموضوعات التي تستوقفك اليوم؟.
كما أسلفت الموضوعات التي تلامس الحالات التعبيرية والحركية في الكائنات، وإظهار الجانب الوجداني والنفسي، إضافة للتأكيد على الطبيعة، وخاماتها البكر.
ما الطريقة الفنية التي تراها مناسبة للتشكيل الذي يلامس ملامحك الفنية الإبداعية؟.
محاولة التجديد دائم البحث، الدؤوب عن أساليب جمالية متميزة، وعدم تقمص أدوار ومواضيع مكررة، سواء على صعيد تراكيب اللون، أو التقنية، أو المشهد بحد ذاته.
برأيك هل تتحكم الرؤية التشكيلية بحجم اللوحة، أو أن الاختزال يستنطق المساحة لوناً ورمزاً؟.
أحياناً تتحكم الرؤية التشكيلية بحجم اللوحة، أو العكس، وغالباً تكون اللوحة الكبيرة أكثر تأثيراً.
ماذا يمثّل اللون لديك، وما دوره في فنك؟.
اللون يمثّل المؤثر الأكبر والنهائي في اللوحة، فهو يسهم في إنشاء الانطباع الأول للمتذوق للصدمة أو عدمها، وعليه تبنى سيكولوجية اللوحة، وأبعادها النفسية، ومناخها، ومكانها بشكل حسي.
هل هناك غياب للنقد البنّاء الموضوعي؟.
النقد الفني المحلي يكاد يكون نادر الحضور، لا توجد أسماء مهمة، ولا أبحاث نقدية باستثناء قلة قليلة جداً.
كيف يصل الفنان إلى أكثرية المتلقين؟.
بإحدى طريقتين: الذاتية وتتطلب جهداً كبيراً ومعارض وأعمالاً غزيرة وترويجاً للأعمال عن طريق البيع والإهداء والإعلام.. طبعاً وبالفن الجميل المقنع المؤثر، أما الطريقة الثانية فتتم بواسطة جهات أو حالات عرض ووسائل تتبنى تجربته، وتشتغل عليه إعلامياً لأغراض وأهداف لا نعرفها، فتصنع نجوميته، وينجح الأمر غالباً.وبرؤية نقدية حول العمل الفني عموماً نقول: العمل الفني يتعرض دائماً لسوء الفهم، فإذا طُلب من العمل الفني معنى محدداً أو أفكاراً بعينها أو مساراً ليؤكد فكرة مسبقة فإن ذلك ليس مقبولاً، فالفن التشكيلي معرض لسوء الفهم من القارئ والمشاهد، لذلك قد يتورط الفنان بارتكاب خطأ يتعلق بيقينية اللوحة، فعملية الخلق الفني لاتقوم على صياغة معنى ما، وليست محاولة لشرح تجربة معينة، كما يحلو لبعض النقاد، وحين يستخدمون عبارات التشجيع والمديح أو التشنيع في الحالتين هم (يشيّعون نعوش العمل الفني في مقبرة المعنى)، فالفنان يقيم في لوحته عالماً له بناؤه ومنطقه الخاص، ولدى كل مبدع نشاط جدلي مستمر بينه وبين العالم.. الحداثة لا تصنع الفنان المتجدد، لكن الفنان هو من يصنع الحداثة، ويضفي عليها من روحه الخلّاقة.
ومن كل هذا نخلص إلى مسألة السوق والعرض والطلب والأذواق الرائجة، فهي تفرض رؤى خاصة وآراء شخصية تريد من خلالها سوق الفنان إلى التكلف في الصنعة، فيكسو عمله الإبداعي بكسوة مصطنعة خارج رؤاه ونشاطه الإبداعي، ما يضطره إلى الجنوح للمحاكاة والتقليد بعض الأحيان بحسب مسطرة الناقد وميزانه. وأجمل ما يقال في الفن الراقي بأنه رسول السلام الروحي والحضارة، فالفن ملتزم بالجمال وبالرسالة السامية التي وجد من أجلها، هكذا هو فناننا المبدع نضال خويص، فقد أسقط رموزه الفنية والأسطورية على الهم المعاصر، وحمّل لوحاته الكثير من الدلالات التي تترجم الواقع والأحاسيس الوجدانية من فرح وكبت وحزن وفورة جامحة، لكنه جعل طغيان الألوان الباردة في لوحاته في الآونة الأخيرة كردة فعل على حالة التأزم الشعوري والحزن والقلق الذي تعاني منه الإنسانية في ظل الحروب والصراعات والفاقة، فاللوحة لديه مسرح، تتمرأى فيه النفوس القارئة والمبدعة لتنتج بالتالي جنيناً من الفرح والأمل الذي يبعثه في لوحاته رافضاً الخضوع لتلك المشاعر القاسية التي تفطر القلوب، وترسّخ ألوان اليأس، فهو يخرج بفنه عن ألوان الزمان والمكان، فيحمّل الرموز المحلية معاني شمولية أعمق من معناها القريب برؤية مصور مثقف يطل من فضاء الروح الندية كباشق واسع الرؤى يرتقي بأوشحة الفرح وألوانه ما تهرّأ بريح عاصفة.
سمر يوسف الغوطاني