صفوح شغالة نشر الأغنية الحلبية والسورية محلياً وعربياً
“اسأل التاريخ بيقلك الشهبا أم الحضارة، أسوارها ما شافت ذل، يا شهبا يا ست الكل”..كلماته تصدرت ألبومات مشاهير نجوم الأغنية العربية الذين تجاوزوا المئة، إنه شاعر حلب، الذي عمل على نشر الأغنية السورية والعربية، كتب الشعر الفصيح والشعبي بعدة لهجات مما مكّنه من تخطي حدود المحلية إلى العربية، وكوّن مدرسته الغنائية وفق ما يوصف باللهجة البيضاء، اشتهر بتعدد القوافي وبالقفلة المدهشة بغنائياته. وتنوع نتاجه الفني من حيث اللهجة والقالب والمضمون، كتب أكثر من ألف وخمسمئة نص غنائي.
تحدى بطموحه الكثير من الصعوبات، إخلاصه للكلمة والوطن والإنسان.. جعله من أشهر شعراء الأغنية العربية في الوقت المعاصر، ابتسامته المرحة وجاذبية حديثه الشائق وطرافة المواقف التي تكلم عنها في الندوة الحوارية “غنائيات صفوح شغالة” بإدارة الإعلامي والناقد ملهم الصالح في المركز الثقافي العربي -أبو رمانة- جعلت الحاضرين يصغون بشغف طيلة ثلاث ساعات ليتجاوز الوقت التاسعة والنصف مساء، وهذه ظاهرة فريدة في ندوات المراكز الثقافية، مما يدل على حميمية التواصل بين شغالة وجمهوره، وقرب مفرداته من روحهم التواقة للحبّ والجمال.
تكريمه
على هامش الندوة تمّ تكريم شغالة من قبل وزارة الثقافة فقدم معاون وزير الثقافة علي المبيض الدرع التكريمي ليكون درعاً لحلب وشاعرها.
اعتمد الصالح على الحوار المباشر مع شغالة وعرض الرسائل المسجلة ومجموعة فيديوهات أجملها فيديو أغنية “محسوبك أصله حلبي” للفنان محمد خير الجراح الذي شارك بالندوة، كما شارك الطفل عبد الرحيم الحلبي بأغنية “يا شهبا”.
أضعف حلقة
ومن التساؤلات التي وُجّهت لشغالة من قبل المحطات الفضائية قبل بدء الندوة وضع كاتب الأغنية وهل أخذ حقه كما يستحق؟ ليجيب شغالة بأن الفنان بصورة عامة لم يأخذ حقه فكيف كاتب الأغنية الذي يعد أضعف حلقة في سلسلة العمل الفني، وأن علاقة الشاعر بالعمل تنتهي حينما يغنيها المطرب، ومن ثم تنسب للمطرب، فالشاعر والملحن والموزع الموسيقي لا يتقاضون حقهم في كل دول الوطن العربي وليس في سورية فقط، وأضاف شغالة بأن تسليط الضوء على الشاعر أو الملحن أو الموزع الموسيقي أو صاحب أستوديو، أو مهندس الصوت يكون دافعاً له لمزيد من العطاء بدلاً من إحساسه من أن يكون مهمشاً.
بريق الشعر
عاد الصالح مع الشاعر إلى أيام الطفولة، فتحدث شغالة مطولاً عن والده الرياضي صبحي شغالة المحاط بشريحة كبيرة من مثقفي حلب بسبب مهنته بكي الثياب في حيّ الجميلية، فتعرف منذ صغره إلى أساتذة اللغة العربية وتابع السينما بكل ما تتضمنه من فنون مع والده يومياً، إلى تأثير جدته الداية أم عمر التي ساهمت بتكوين ذاكرته الشعبية، إلى سفر العائلة إلى مصر ليلتقي بأبرز نجومها ويتعرف إلى ثقافات جديدة، إلى دراسته بكلية الزراعة في جامعة الأزهر، ثم عودته إلى أرض الوطن ليعمل ببيع الخضار وينافس كبار تجار سوق الهال، لكن بريق الشعر كان هاجسه الملازم له فقرر احتراف كتابة الأغنية عام 1984. ومن هنا كانت خطوة البداية من مدينة البوكمال التي شكلت له ركيزة لإتقان فنون الكتابة باللهجة البدوية وحفظ التراث العراقي، إلى تعلمه كتابة الموال الشرقاوي إلى العودة إلى مصر ولقائه كبار شعراء الأغنية، ثم العودة إلى الوطن والعمل الفني.
غنائيات شعبية
استضاف الناقد الصالح الفنان محمد خير الجراح ليتحدث عن علاقته بشغالة من خلال مشروعات فنية عدة، أهمها أغنية”محسوبك من حلب” التي غناها الجراح، وعن الانتشار الذي حققه شغالة على مستوى العالم العربي من خلال تعدد اللهجات التي كتب بها، ويعزو هذا إلى أصالة الكلمة التي يكتبها وعمقها، وإلى ثقافة شغالة بأطياف الشعر العربي القديم والمعاصر بأنواعه، وتابع عن خصوصية المشروع الغنائي الشعبي لموضوعات مختلفة من كلمات شغالة وألحان نهاد نجار.
تلحين الأغنية الحلبية
كوّن شغالة خلال مسيرته الطويلة ثنائيات مع الملحنين الذين لحنوا كلماته وارتبط معهم بعلاقات وطيدة مثل سمير جركس الذي كان الانطلاقة الفعلية الأولى له، وعرض الناقد الصالح مجموعة رسائل معهم، منها رسالة من الملحن نهاد نجار الذي أشار إلى الدور الذي قام به شغالة في نشر الأغنية الحلبية بشكل خاص، وتأثره بقوافي أحمد رامي وبيرم التونسي، إضافة إلى خبرته بالموسيقا وقدرته على صناعة الأغنية وتعامله مع العديد من شركات الإنتاج، ويعود التعاون بينهما إلى منتصف التسعينيات إذ لحّن له أغنيات بعدة لهجات، إضافة إلى القصائد مثل قصيدة “هنا دمشق”، والابتهالات والموشحات، والفكرة الهامة التي توقف عندها نجار هي الأغنيات الحلبية التي كان معظمها من ألحانه، مثل “آهين ياحلب، ما عاتبك، وغيرها كثير، ومؤخراً حلب بتسلم عليكم”.
عروبي النزعة
وتوقف الصالح عند رسالة الموسيقار الجزائري الكبير نوبلي فاضل الذي لم يستطع أن يسجل بصوته بسبب مرضه فتحدث بالنيابة عنه أخوه رجل الأعمال صلاح،إذ عاد بذاكرته إلى زيارة شغالة منزلهم بالجزائر وتعرف إليه عن قرب،ووصفه بأنه عروبي النزعة، وأن اللقاء الأول بينه وبين فاضل كان قبل عشرين عاماً في بيروت في أول تعامل فني بينهما حينما لحّن للفنانة ريم غزالي “روح بس تعال”ثم للفنانة السورية الشابة سارة فرح”شقيق الروح”، أما أهم عمل فهو”سلام من صبا بردى” الذي غناه صفوان العابد ووصف العمل بالرائع بكل المفاهيم وأضاف بأنه شاعر كبير، مازال لديه الكثير ليثري الغناء العربي متمنياً أن يتم لقاء فني جديد مع نوبلي فاضل.
القافية المدهشة
وقال الموسيقار الأرمني الشهير جورج مارديروسيان إنه كان سعيداً بالتعرف إليه وقد تعاون معه في عدة أعمال كانت ناجحة جداً مثل (أنسى غرامك، أمانيه، أنت العشق) وتوقف عند الخاصة المميزة له باختيار القوافي. ووصفه بصاحب القافية المدهشة.
صياغة الجملة الشعرية
وأشاد الملحن المصري شاكر موجي بأغنية “طبيب جراح” بصوت جورج وسوف، وتحدث عن مفردات شغالة التي تمنح الملحن طاقة إيجابية وتشجعه على التلحين لمعناها الجميل، على خلاف بعض الشعراء الذين تفتقر كلماتهم إلى المعنى فيجد نفسه عاجزاً عن تلحينها، وعن جمالية صياغة الجملة الشعرية التي وصفها بالملحنة، وهذا سر نجاحه كما في أغنية “أمانيه”على سبيل الذكر.
بعيداً عن النرجسية
إحدى المحطات كانت مع الفنان الكبير دريد لحام عبْر الرسالة المسجلة فتحدث عن شعر شغالة الرقيق وعلاقته به من خلال مهرجان الأغنية السورية في حلب، إذ حازت أغنياته على المراتب الأولى لخمس سنوات متتالية، ووصفه بأنه نبع الحبّ والحنان وبأنه متوحد مع الشعر.
وخلال الندوة عرض الصالح مجموعة فيديوهات كان لها دور في مسيرة شغالة، منها أغنية ريم نصري “لبيك يا سيد الأباة” المهداة إلى السيد الرئيس بشار الأسد.
صناعة النجوم
وتطرق الصالح إلى الدور الذي قام به شغالة في نشر الأغنية ليلتقي في جانب ما مع سيمون الأسمر الذي عمل على صناعة النجوم، ليعلق شغالة بأن “الأسمر” ظاهرة لن تتكرر، موضحاً بأنه صنع الفن اللبناني الحديث باستثناء وديع الصافي والرحابنة، إضافة إلى أنه مخرج كبير لبرامج المنوعات تعلمت منه تكاملية المطرب وتوافقية شكله ومظهره العام مع اللون الغنائي الذي يؤديه.
فينيق الأغنية
وقد خلص الصالح إلى تسميته بفينيق الأغنية السورية الذي أعاد إليها نبض الحياة وأن غنائيات صفوح شغالة غنائيات عابرة للزمن وعابرة للمحلية والعربية.
ملده شويكاني