نجاح حفيظ.. فراشة صعدت إلى السماء
نجاح حفيظ فنانة تألقت في شخصيات كثيرة، جسدتها خلال مسيرتها الفنية التي بدأت مع البدايات الأولى للتلفزيون، لكن هذه الشخصيات كلها لم تلغ من ذاكرة المشاهدين شخصية “فطوم حيص بيص” السيدة الجميلة صاحبة الأوتيل في مسلسل «صح النوم» الذي قدمته مع مجموعة من رواد الدراما السورية عبد اللطيف فتحي، نهاد قلعي، دريد لحام، ياسين بقوش، ناجي جبر، وغيرهم من النجوم الذين أسسوا لفن درامي تشهد الدراما السورية نتائجه الآن بحضورها وتطورها الذي حققته في الساحة الفنية.
نجاح حفيظ التي لململت أمس آخر عبقها ورحلت تنتمي لجيل الرواد وكانت لها بعض الآراء والملاحظات حول الفن والدراما الراهنة، إذ كانت ترى المسافة الزمنية بين الفن في زمن مضى والفن الذي يقدم الآن، كبيرة حيث النظرة للفن اختلفت رغم كل التطور الذي نشهده الآن، فتقول: في زمن مضى كان العمل الفني حالة تشبه الولادة، وكل عمل جديد يمثل ولادة جديدة، فكما ينتظر الإنسان مولوداً يفرح به، هكذا كنا نعاني لننقذ هذه الولادة ويبصر العمل النور كما نحب أن يراه الناس، والفنانون الأوائل لم تكن تشغلهم المادة، بل كانوا يعملون لأجل هاجس يسكنهم وهو حب الفن، بالمقابل لكل زمن ظروفه التي تُفرض على الإنسان. وتضيف: في السابق كان للمتلقي هامش من الاحترام أكثر من الآن، وكنا نجتمع كلنا لنناقش فكرة أو جملة، إذ كنا أسرة واحدة معنيين جميعاً بالعمل وليس كما يحصل الآن كل فنان معني بدوره فقط، وهذا يسيء لتقاليد الدراما لأن العمل ينجح بجهود الجميع، وليس بجهد شخص واحد فقط، ونحن نعرف أن الدراما سلاح ذو حدين تحمل السلبي والايجابي، وهي مؤثرة جداً في الناس حيث يلتقطون كل ما يعرض ويحفظونه، وهذا يحمّلنا مسؤولية أن ندقق كثيراً بما نقدمه حتى نرتقي دائماً بعملنا وبمشاهدنا للمستوى الذي نسعى إليه، وأن نبتعد عن الابتذال وسفاسف الكلام الذي يسيء لنا ولعملنا ولمشاهدينا، ونحن لا ينقصنا شيء، لدينا كوادر موهوبة من ممثلين وكتاب ومخرجين، فما الذي يمنع أن نقدم ما هو جيد دائماً.
ولم يشفع لها الحضور والنجاح الذي حققته “حفيظ” في « صح النوم» بأن يأخذ المخرجون هذا في اعتبارهم ويسندون لها الأدوار التي تليق بهذا الحضور وترسخه في وجدان المشاهدين، بل عملوا على تنميطها في شخصية المرأة الضعيفة السلبية، وهذا يخالف الصورة التي رسمها لها المشاهد من خلال شخصية “فطوم”، وكانت ترد على هذا الكلام بأن بعض المخرجين فهموا شخصيتها بطريقة خاطئة “هم يظنون أن تفاعلي مع الدور وانصهاري بالشخصية هو الطابع العام لشخصيتي كإنسانة عاطفية دمعتها حاضرة دائماً، فتناسبني أدوار المرأة الضعيفة، لكنهم مخطئون في فهمهم هذا، لأن نقطة الضعف التي ينظرون إليّ من خلالها هي نقطة القوة في شخصيتي، وهذا لا ينفي أبداً أن أختار الأدوار التي تظهر “نجاح” المرأة القوية التي تدافع عن الحق حتى عندما تكون دمعتها على خدها”.
وكفنانة من الجيل القديم اعتادت على تقاليد مهنية تحكم العمل الفني كانت الراحلة ترى الوسط الفني مثل كل الأوساط المهنية الأخرى فيه السلبي والايجابي، وأغلب المخرجين كانوا يتعاملون معها باحترام وتقدير، وكثيرون كانوا يشبهونها بالفرس الجامحة التي لا يحدّ طموحها شيء، وبالمقابل هي كانت تحترم هذا الشيء وتقدره فتقول: “أتعامل مع المخرجين بكل احترام وأمتثل لملاحظات المخرج بكل اهتمام وأتجاوب معه، لأن له رؤيته ونظرته التي يحاكم الأمور من خلالها، وأنا أحب أن يكون الأمر شورى بيننا كأسرة فنية معنيين كلنا بالعمل الذي نؤديه، فكوني من الفنانات القديمات، هذا يحملني مسؤولية أن أكون أكثر تفهماً وإدراكاً لكل الظروف، وأستشير المخرج بأي مشهد كيف يحب أن أؤديه، فأسأله مثلاً هذا المشهد تريده عاطفياً، أم أقل قليلاً، أم دمعة بدها تنزل وتتمنع، فيقول لي حصراً أريد هذه الدمعة، فأمتثل لرغبته. ولكونها إنسانة عاطفية فقد كانت تعيش الشخصية التي تجسدها بكل تفاصيلها ودقائقها، وتؤديها بحب وتنسى أنها تمثل، ففي مشهد يحتاج للبكاء كانت دمعتها تنهمر بكل عفوية.
وبما أنها تنتمي لجيل لم تكن الدراسة الأكاديمية متاحة له كما الآن، كانت لها وجهة نظر في هذا الموضوع، حيث ترى أن المطلوب في الفن سواء كان الفنان أكاديمياً أم لا هو الموهبة التي تشبه الجوهرة الخام غير المصقولة، وعند صقلها يظهر لمعانها وتعبّر عن نفسها، وهكذا الفنان عندما يعطي موهبته تظهر الجوهرة التي بداخله، وما بين الشخصية التي يتضمنها الورق وكيف تحولها إلى شخصية من لحم ودم أجابت في أحد حواراتها: “أنا أقضي الليل أدرس الشخصية التي سأجسدها، وأبحث عن الأسلوب الذي يجعلها ناجحة ومقنعة، وهذا ما تقدمه الدراسة الأكاديمية، أنها تصقل موهبة الفنان وتدعم ثقافته التي تساند الدراسة والموهبة لتجعل منه فناناً ناجحاً، والفن يتطلب تكاملاً ومحبة، يعني أن يحقق معادلة الموهبة والتكامل والمحبة والعشق للمهنة التي نعمل بها، وإلا سيكون الفشل بانتظارنا، وتضيف: أنا حتى الآن أرتجف من الخوف عندما أقف أمام الكاميرا لأداء المشهد الأول، لأن السقوط سهل، وهذا ما يخيفني، وأي فنان يهمه عمله يعيش لحظة الخوف هذه لأنه يحمل في داخله مسؤولية العمل الذي يؤديه، وكيف سيكون رد فعل الجمهور عليه، وهذا ليس بالأمر السهل، وأتمنى من كل فنانينا أن يحافظوا على نجاحهم وتألقهم ويبتعدوا عن الغرور لأنه يمثل الخطوة الأولى باتجاه الهاوية، ويجب أن يكون طموحهم في كل مرة أفضل وأكبر من المرة السابقة، ونحن لدينا جيل شاب موهوب ومن حقه أن يأخذ فرصته، إذ هناك الكثير من الخريجين الذين يمتلكون طاقات فنية ممتازة لم تتح لهم فرصة الظهور حتى الآن وهذه مسؤولية المخرجين الذين يقتصر اختيارهم على بعض الوجوه الفنية فقط.
وعن الكوميديا التي نشأت مع الفنان حكمت محسن واستمرت مع نهاد ودريد بأسلوب يختلف كثيراً عن الكوميديا الحديثة التي رغم وجود بعض الأعمال التي شدت المشاهد، إلا أنها لم تحقق هويتها التي تعبّر عنها، ولم تؤسس لكوميديا حقيقية تقول:
هناك بعض الحق على المواطن الذي يضحك لأي شيء يقدم له، ودوره كبير في هذه المسألة لأنه الحكم الذي يعطي النتيجة النهائية على جودة العمل، والكوميديا التي ظهرت فيما مضى تختلف عن الكوميديا الحديثة، أنها كانت كوميديا الموقف، كوميديا راقية، إضافة إلى أن الكوميديا تحتاج لأرواح ظريفة تستطيع أن تقدم الكوميديا، إضافة إلى افتقادنا لكتاب كوميديا حقيقيين، وللأسف الشديد بعد نهاد قلعي لم يظهر كاتب كوميديا حقيقي.
نجاح حفيظ بتاريخها الذي بدأته بنجومية عبر أدوار أدتها في دراما الأبيض والأسود ستبقى غيمة عطر تمطر حباً على قلوب جمهور أحبها، وستبقى هي ومن رافقها في مسيرتها الدرامية شاهد على جمالية زمن مضى، وضمير للدراما السورية.
سلوى عباس