“شاهد عربي سوري على الإبادة” د. بولاديان ينقل إلى الأرمنية مذكرات فائز الغصين
“إن تركيا الحديثة بوصفها الوريث الشرعي للإمبراطورية العثمانية تبنت منذ البداية سياسة إنكار الإبادة الأرمنية، وتحاول بكل الوسائل عدم تدويلها ثم تعمل بخبث لتزوير حقيقة الأحداث التي جرت، وتشويه الحقائق التاريخية وتقديم الإبادة الأرمنية بمرآة ملتوية” هذه المفردات كتبها د.أرشاك بولاديان السفير الأرمني في سورية في كتابه الجديد الصادر لمناسبة الاحتفال بالذكرى الثانية بعد المئوية، بالاشتراك مع د. ليفون سركيسيان(فائز الغصين شاهد عيان عربي –سوري عن الإبادة الأرمنية) ويمثل دراسة وترجمة من العربية إلى الأرمنية، تختزل واقع القضية الأرمنية من وجهة نظر عربية من خلال شاهد عيان(فائز الغصين) كتب مذكراته عن الواقعة في المكان والزمان، وتضمنت حقائق لاتنكر ولايستهان بها، وتظهر وحشية أفعال الأتراك وأهدافهم.
ويرى د. بولاديان أن مذكرات فائز الغصين أصدق وثيقة باعتبارها من أقدم الشهادات العربية لما جرى على الشعب الأرمني في كنف الإمبراطورية العثمانية. وفي منحى آخر تأتي أهمية الكتاب برفد حركة الترجمة وإغنائها من اللغة العربية إلى الأرمنية لفتح الباب أمام الكثير من الباحثين لنشر الكتب العربية من خلال الترجمة إلى الأرمنية، وأيضاً يكون حافزاً للإقبال على الترجمة من الأرمنية إلى العربية لاسيما أن التراث الأرمني يحفل بالكثير من الأدب والفنون.
المحور الهام الذي توقف عنده د. بولاديان هو رأي الغصين بالفصل بين قتل الأبرياء والدين الإسلامي مبتدئاً بصورة الغصين وقوله:” إن الدين الإسلامي براء من أفعالهم” لنصل إلى أن الكتاب يمثل جسراً بين الماضي والحاضر من خلال تكرار الإبادة الأرمنية على أرض سورية بالعمليات الإرهابية التي تدعمها تركيا.
اعتمد د. بولاديان على التحليل المشروط بإيضاح الأسباب في طرح الأحداث والوقائع بالاعتماد على مذكرات الغصين عبر كتابيه “المذابح في أرمينيا” و”من مذكراتي عن الثورة العربية”، واستند إلى التوثيق المرئي الدقيق للصور والخرائط والإحصاءات”. أما عن قدرة الكتاب بالتأثير فنجدها بخاصية السرد التاريخي الشائق الموثق المتضمن روح المشهدية السينمائية، لاسيما بتصوير جرائم القتل الجماعي وما طال النساء من تعذيب واغتصاب حتى بعد الموت.
تبرئة المسلمين من المذابح
توقف د. بولاديان عند الكتاب الأول “المذابح في أرمينيا” الذي صدر في القاهرة عام 1916، وترجم في بومباي إلى الفرنسية عام 1917. وأشار المؤلف إلى أن الكاتب جمع الأدلة من شهود عيان ومأمورين أتراك وضباط ومنفذي المجازر في منطقة ديار بكر، فصوّر ما شاهده في طريقه من مشاهد القتل.. ليتساءل ماذا فعل الأرمن ليكون مصيرهم القتل الجماعي؟ فعمل الغصين في كتابه على تبرئة المسلمين من المذابح ووصفها بعمليات مناهضة للشريعة والأحكام الإسلامية.
مصطلح الإبادة
ويتابع د. بولاديان الأدلة من خلال كتاب الغصين الثاني “مذكراتي عن الثورة العربية” الذي نشر في دمشق عام 1939، واستخدم فيه لأول مرة مصطلح الإبادة .
وقد كذب الغصين تسويغات الأتراك بأن الأرمن قتلوا المسلمين في فان وخزنوا الأسلحة والذخيرة وقاموا بنشاطات ثورية بهدف إعلان استقلالهم، إلا أن المعطيات التي حصل عليها الغصين تنفي تلك التبريرات التي وصفها بالسخيفة، ورأى أن الإبداع الذي يتميز به الأرمن كان أحد الأسباب للإبادة الكبرى، وتوصل إلى أنه بضغط من قادة تركيا الفتاة لعبت القوميات المسلمة من أتراك وأكراد وشراكس دوراً كبيراً بالإبادة، وفي الوقت ذاته أظهر الغصين استنكار الشعب العربي والوقوف في وجه المظالم التي تعرض لها الأرمن.
ومن أكثر المشاهد ارتباطاً بالحاضر ما فعله الإرهابيون في الكنائس والمساجد على أرض سورية كما ورد في وثيقة “بيع متروكات الأرمن وإنزال الصليب عن كنائسهم، “وقد رأيت بأم عيني أن الصلبان أُنزلت من منارات الكنائس الأرمنية التي كانت تناطح السماء سمواً، لبيعها”. ومن أقسى الوثائق تلك المتعلقة بالقتل كما ورد “في وثيقة أنواع القتل والإتلاف، على لسان أحد الأطباء من ولاية سيواس: وجدت أربعة من القصابين بيد كل واحد منهم مدية طويلة، وأفراد الدرك يفرقون كل عشرة من الأرمن على حدة، فيقول القصاب للأرمني مدّ رقبتك فيمدها فيذبحه ذبح الغنم”
اتهام أوروبا
المحور الهام الذي توقف عنده د. بولاديان إضافة إلى تبرئة المسلمين من الحكومة التركية التي تدرس الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة وتأمر بقتل الأبرياء من النساء والأطفال والشيوخ، هو ما أورده الغصين في كتابه بتوجيه التهم إلى دول أوروبا التي لم توقف الحكومة التركية عند حدّها.
مركبات الموت
أما ما تضمنه الكتاب الثاني للغصين “من مذكراتي عن الثورة العربية –الجزء الأول دمشق 1956 التي دار قسم منها بسجن ديار بكر، ما دوّنه الغصين عن مذكراته بالسجن عن سفر المركبات التي كانت تقل الأرمن وتنقلهم إلى الموصل عن طريق ديار بكر فيقتلونهم بالرصاص. وكان للصور الموثقة التي تضمنتها صفحات الكتاب دور بالتأثير واختزال العنف والقسوة والانتقام بالتعذيب بالقتل”.
فائز الغصين شاهد عيان عربي –سوري عن الإبادة الأرمنية –د. أرشاك بولاديان ود. ليفون سركيسيان- دار الشرق للطباعة والنشر –ط الأولى –قدم للكتاب د. نبيل طعمة.
ملده شويكاني