ثقافة

الذهنية المغلقة

كان الإنسان هو الوحيد من بين الأحياء فوق الأرض يمتلك القدرة الفاعلة على عملية البناء من خلال إضافة الأفعال التي تساعده على اتخاذ المواقف الملائمة عبر قراءة متأنية وبانطباعات سليمة تخدم المشهد الوطني أياً كان الاختلاف في الرؤى والمواقف بين هذا الطرف وذاك الذي توكل إليه مهمة الحوار حول القضايا الشائكة في السياسة وحتى في الأدب.. من هنا يجب أن تكون لغة الحوار آلة العيش المشترك في الوقت الضروري الذي ولدت معه ولولاها لما اشتعلت السرائر في السعي الدؤوب لاختبار النوايا في الوصول أخيراً إلى الهدف الذي يحقق المصلحة الوطنية الكبرى..

ولكن هل يمكن إقامة الحوار المحافظ على اليد الوطنية مع الخارجين على قوانين الحياة بإيقاع يعتمد فيه أهله لذة القتل بوحشية بعيداً عن الوجدان الوطني؟!

في الجواب على هذا نقول: لقد اعتمد الكثيرون من أعداء الحوار الوطني المحافظ على التعاويذ التي أوصلتهم إليها الكيانات السياسية المارقة فمالوا إلى إشباع فقرهم بالحصول على المال وجندتهم تلك الكيانات على القتل والإجرام وتعكير المناخات التي ألفها المواطنون العاديون عبر تاريخهم الطويل ومع ذلك فقد حقق بعض العقلاء في تجربة الحوار رغم صعوبته نوعاً من المصالحات الوطنية المؤقتة سرعان ما عاد بعض أصحابها إلى الشذوذ وكسر الحواجز بينهم وبين التدمير للبنى التحتية وفي مقدمتها المشافي والمدارس والجامعات والجسور والطرق الآمنة وهذا يعني فيما يعينه أنهم ليسوا أصحاب قرار في إقدامهم على أي حوار بناء وهادف لخدمة بقائهم أحياء وهم تحت سقف الوطن. إن عملية المصالحات يحتاج المسؤولون عنها في الجانب الوطني إلى معجم ثقافي آخر حاولوا معه الاقتراب من أولئك العقلاء الذين فهموا أخيراً معنى التعددية وقيمتها الحضارية التي لا بد من اعتمادها كوسيلة مقاربة للجمع بين الجهات المختلفة على المقاعد السياسية وهذا ما ساعد في مجاراة التقابل الداخلي وقلل من رداء المشاحنات في اللهجات التي كان يخرج فيها المتحاورون عن الدّقة في قيمتها الأسلوبية التي يحتاج إليها الحوار الجاد بحيث تكون النتائج أخيراً مرضية..

إنّ هذا النمّو الديمغرافي بسرديات اللغة الوهابية الساخنة في محاكاة الواقع السوري قد تمت قراءته بخبرات كبار المحلّلين في العالم لأن تلك السّرديات التي يرددها التّابعون قد خدّرتهم فيها الأكاذيب المرافقة المدعومة بالمال والشهوات والتي استولدت هذه الصّور الأليمة والجارحة على الأرض السورية وتجاوزت إلى أمكنة أبعد بما يدفع العقلاء ولا سيّما المالكون إلى زمام الأمور إلى إيجاد الوسائل التي يمكن بها القضاء على أصحاب السلوك التائه باستحواذ شيطاني رجعي أورثته الوهابية بقامتها اليهودية لجيل الفقراء من أبناء مجتمعاتها والتي يدعيّ قادتها أن التخيّل المزعوم سوف يتحوّل إلى إمكانية لغوية بذهنية مطلوبة وهي الذهنية المغلقة على أصحابها أولاً ومنتجيها ثانياً..

محي الدين محمد