ثقافة

قول في الرواية السورية الجديدة

شأن الرواية كجنس إبداعي مازال الرهان على اختلافه وتنوعه، بثراء لغته، ووفرة تقنياته، شأن تلك الأسئلة المخترقة التي يثيرها– هذا الجنس- لاسيما في المشهد الثقافي العام، وبتجلياته السورية على مستوى مفارقة الواقع أو التماثل معه، واقع الحرب على سورية وما جرته من أهوال فادحة، لها تصاديها الإنساني، ومفاعيلها في الذاكرة الأدبية، نتساءل في الرواية لا حولها: ما الذي يمكن أن تضيفه؟ إذ يرى كثيرون أنها لابد من أن تختمر لدى الكاتب حتى يكتب عنها، وعلى الرغم من عمومية هذا التوصيف، إلا أن الرواية السورية زمن الحرب هي بمعنى آخر، وداخل هذا السياق وثيقة أولى، وخطاطة متقدمة لما سيؤول إليه واقع الحال، إذ لا يتأتى ذلك إلا عبر جملة الحوامل الدلالية، مضافاً إليها تنوع الرؤيا، فيما حدث ويحدث وسيحدث، إذ إن شأن الروائي هنا في أزمنته المفتوحة وفي أمكنته، فضلاً عن لغته، هو القادر على إيجاد المعادل، ليس الموضوعي فحسب، بل المعادل الجمالي والفكري بآن معاً، نشداناً لكسر أفق التوقع، والرواية/ الوثيقة بهذا المعنى شاهدة حرب ضروس، والأدل من ذلك كله صاحبة قول يوازي، بل يتجاوز ما يحصل، ليؤثث تلك الأمكنة الجديدة المشتهاة في الذاكرة وعلى الأرض، وليولّد لغة ثرية أكثر ما تقوم به المفارقة والانزياح، فالجديد هنا ليس مختزلاً بالشواغل، والثيمات السائدة التي أصبحت متون الخطاب الأدبي، بل الكيفيات الإبداعية التي يحرر فيها الروائي معنى الرواية، ومعنى الثقافة المتجددة التي تبثها تلك الأكوان الروائية، أي في فعالية الاستشراف المتطلبة للذائقة الفردية والجمعية، وكيف تُنجز هذه- الفعالية- علاماتها الباذخة، وفي الصيرورات المدهشة لإبداع الرواية حين تكون موقفاً ورؤية من العالم، حينما نتذكر، على سبيل المثال، رائعتين أدبيتين بعينهما: (الحرب والسلام لتولستوي، والخروج للهواء الطلق لجورج أرويل)، نتذكر معهما ذلك الانفتاح الدلالي الذي تعنيه الرواية، كذاكرة، وكتأويل للعالم، وعلى ذلك تبقى الأسئلة بصدد نوع لا كم مشروعة بما يكفي لكي نقارب ما يُكتب اليوم توسلاً لثنائية الروائي المثقف بحق، في شأن إبداعي يغاير وينشئ تقاليد سردية جديدة، تقوم على استنطاق شعرية الخاص والعام، بوساطة لغة عارفة، وبالتالي تنهض على جدلية الحرب والسلام، ليكونا أمثولتين تذكرنا بهما جلّ الروايات العالمية الباقية أبداً في الذاكرة.

نتأمل بعين فاحصة تطمئن إلى أن ما ينجز بوصفه علامات تحول قابلة للتأويل أكثر فأكثر، وبوصف إرهاصاته، سوف يسفر عن دهشة مضاعفة في المنجز الروائي، ومستويات إضافته النوعية الفارقة، أكثر من أن تكون كماً فحسب، ذلك أن مهمة الروائي الجليل في هذه الأوقات هي أن يتمثّل روح وطنه، ويجعل من لغته امتداداً لها بكيفيات مبدعة، أقلها أن العلاقة مع اللغة هي علاقة اكتشاف، وأن الأبعاد الفكرية هي بالضرورة أبعاد تنويرية حاسمة، وهذا لا يعني على الإطلاق القبض على مثال متعال، بقدر ما هو قول في (أرضنة) النصوص، وهي تستلهم من الواقع ما يعينها على تشكيل الرؤيا والرؤية، حيث إن استنطاق تلك المحكيات الروائية سيحيلنا بالضرورة إلى فهم آلية المغايرة، وخصوصية ما يُبدع في ضوء اللحظة السورية الكثيفة بمحكياتها، والمتفردة ببطولاتها الطليقة: بطولة الشهداء والأحياء، مآثر الجيش العربي السوري وملاحمه المستمرة، والمقاومون من طراز خاص، البشر الحالمون بوطن معافى، وغيرها من جدليات لا تستنفد، وبهذا المعنى نقف على أرض الرواية السورية الجديدة، في مقابل ما يُنجز عربياً، على الأقل، ذلك الذي شُغل في بعض ما يروّج له، بالمجاني الطليق، والاستهلاكي الممجوج.

لنعد للقول: إننا نعيش زمن الرواية الجديدة.

أحمد علي هلال