عزيزي القارئ .. يا ويلك
إن كانت الحروب تفرز على المستوى الاجتماعي العديد من الأمراض الاجتماعية التي تصيب الذهن العام بتبلد وبشيء من اللامبالاة حيال خطورة شأن ما من عدمه، فإن واحدا من تلك المفرزات التي أنتجتها الحرب كان إصابة الجميع بلوثة الأدب بكافة أنواعه والفن أيضا – ولو أنه حسب رأي بعض المدارس النقدية الأدب بأنواعه هو من الفنون- فمن يتابع المشهد العام للحالة الثقافية السورية بأنواعها، سيرى مثلا وفرة غير مسبوقة بطباعة المجموعات الشعرية الجديدة جدا جدا، وهي مزدانة بلوحة غلاف أيضا لفنان تشكيلي “خلنج”، مجموعة شعرية أو ديوان ربما سمعنا باسم صاحبه أو صاحبته للمرة الأولى، وربما أيضا قد لا تكون شخصية حقيقية – كما حدث مع تلك الشاعرة الافتراضية التي تناقلت معظم منابرنا خبر شعريتها وصدور مجموعتها الشعرية الأولى والأهم، والتي لم ولن تظهر- شعراء كما يقال -هكذا يخرجون ألينا من فضاءات عديدة ليس أولها الفضاء الافتراضي، ولن يكون أخرها فضاء “الواسطة والمحسوبية التي لم ننتهِ من كوابيسها حتى في هذا الشأن- شعراء كورق المحارم ودون أي تجربة مع الجمهور أو أي اختبار لأجنحة الروح والعقل في هذا الفضاء، فضاء الناس الذين يُكتب لأجلهم كما يتم الادعاء، وربما لم يمر في التاريخ كم من “الشعراء” كالذين صدحت أقلامهم في السنين الست المنصرمة، حتى سرت نكتة مفادها أن السوريون كلهم شعراء.
الأمر الذي ينسحب على الرواية والقصة القصيرة و ال “ق ق ج” وما أدراكم ما ال “ق ق ج”؟ حيث صار لدينا روابط ومدراء وجوائز ومهرجانات ل “ق ق ج”، وتعال قل هذه الثلاثة حروف لواحد من الناس، لذهب به الظن إلى كون المتكلم مجنون وربما يرتاب بأمره في هذا الوقت العصيب، أيضا على السينما التي صار حالها “بيوجع قلب الكافر” أو المسرح، المكان الذي يحيا بأنفاس شاقة وآمال شاقة أيضا، والذي يُخشى عليه من الموت المفاجئ في أي وقت، حتى هذا صار له جمهور كبير من الكُتاب والمخرجين و”الدراماترجيين”، ممثلون وحملة لواء التجديد حتى العظم بلغة “السينوغراف” حتى لو كان هذا التجديد بلا أي قيمة، موسيقيون ومصورون فوتوغرافيون، دعايات وبوسترات وإعلانات، وكل ما يلزم للعملية الإبداعية المسرحية وما يلزم – شاشات البلازما مثلا- موجود ولكم الغائب الوحيد هو العمل الإبداعي نفسه! لكن من سيهتم، التاريخ سيدون أننا قدمنا أعمالا مسرحية وصرفنا كذا وكذا وكذا، وقدمنا مئات الأفلام السينمائية، وأنتجنا مئات الكتب، وووو، أما أين وكيف ولماذا وهل يستحق؟ فهذه أسئلة ليست واردة في بال أحد إلا قلة، وقد ملوا من تكرار هذا الوجع على مسامعكم ونظراتكم، هذا في حال أيضا عزيزي القارئ كانت علاقتك جيدة بالجريدة الورقية وأنت من قرائها ولست أيضا ممن يقاطعها على السمعة!- فكن على ثقة، مثل هذه الوقائع على وجعها، لن تنقلها لفخامتك إلا الجريدة الورقية، التي كانت ولا زالت، حمّالة هموم الناس بأنواعها، وإذا أردت برهان على ما ذهبنا إليه في القول، فاذهب إلى برامجنا المنوعة، وانظر كيف يحتفى بالجاهل كما يحتفى بصاحب الموهبة الحقيقية، ولا أخفيك سرا إذ أقول وربما يحتفى بذاك أكثر بكثير، صدقني.
تمّام علي بركات