ثقافة

نثريّات روح

“نثريّات روح” مجموعة شعرية جديدة للأديبة غادة اليوسف، صدرت عن دار الينابيع بدمشق، وتقع في 82 صفحة من القطع الوسط، صدرت عام 2017.

غادة اليوسف كاتبة قصّة طويلة نسبيّاً مميزة، ولها بصمتها في كتابة القصّة، ولكن هذا لم يستطع كبْح جماح تلك الجذوة الشعريّة التي تتحرّك في نفسها، فأصدرت مجموعتين شعريتين قبل هذه، في عامي 2013 و2015، بيد أنها في مجموعتها الأخيرة تصل إلى ذروة شعريّة لم تصلها من قبل، ففي المجموعة الجديدة ذلك الألق: / الوهج الشعري الذي هو روح الشعر وماويّته، كما قال نقدنا القديم:

الشعر ابن تلك (الأريحيّة) الجماليّة التي يثيرها فيك

لِشاعرٍ/تسكنُهُ الريحُ../ يُجافيه المَنامْ

لِشاعر/يغزلُ من ندائف النّور/ ومنْ سكْبِ الرّهامْ

لشاعر/ ينثرُ من حَبّ/ فَيخضرّ الرّخامْ.

ثمّة وضوح شعري يحمل ألقه بعيداً عن فذلكات التّغميض المُتعمّد، وابتعاداً عن مطبّ التوهّم أن الصورة الغرائبيّة، غير المضبوطة، قد ترشح شعراً:

ومَن لي بالحروف/ وقودَ جمْرٍ/ يزيدُ ضرامَها/ نارٌ/ ونورُ

إذا/ ما الشوقُ/ أشعلّ كلّ حرف../ سَرى/ في بُهمة المعنى ضريرُ.

من البدهيّ القول إنّ المفاجأة وإثارة الدّهشة هي إحدى الأدوات الجماليّة البنائيّة في القصيدة:

أوَتدري الكفّ/ إمّا صُلّبتْ/ أنَ جُرحاً فارَ/ في روح/ الوَتَدْ.

لعلّه من اللافتْ في مضامين هذه المجموعة، بل ربّما والنّادر، أن نية، جد شاعرة تتحدّث عن الخمرة، صحيح أنّ شيئاً من هذا، قد ورد على قلّة في شعرنا القديم، بيد أنّ غادة، تستحضر الخمرة، بلا تردّد، وتلك مسألة جديدة على القصيدة الحديثة، النّسوية، إنْ صحّت التسمية، من حيث موضوعها:

أَجِل الصّحو/ إذا الصحو أتى../ يااااالصحْوٍ/ يهدرُ العمر/ بدد

ياكأسَ الليل/ تمهّلْ/ هذا الخمرُ أنينْ

ليّلْ/ ليلَكَ ياليلُ/ فاللّيلكُ في حضن العطرِ/ حزينْ

يا سِفْرَ الليلِ/ أنا/ من/ طينْ

مَنْ لي /بكأسِ صرفةٍ/ تسري/ بهذا الليلِ/ للصبح البعيدْ

فالرّوحُ ظمأى/ يا نديمُ/ وداؤها/ الصحو البليدْ

يُلاحظ أنّ مفردات/ حجارة النصّ الشعري مأخوذة من مقالع مُتدالة، في غالبها، وربّما كان ذلك لأنّ أثر التراث الشعري العربي القديم مازال قارّاً في تلك الأعماق، ثمّ هي لا تُجهد نفسها بمعاظلة الحداثة الشكليّة، أو الصوريّة، وليس هدفها التّجويد المُفتَعَل، بل اغتنام الدفقة الشعريّة، وبظنّي أنّها قليلة المراجعة لقصائدها، وهي تتقبّلها، في الغالب، كما تجيء، مادامتْ قد احتوتْ آثار تلك الدفقة الشعريّة، واللافت تعالق المعنى اللطيف بمفردات لا يبدو عليها أنّها قد انتُقيتْ، بل أُخذتْ من أقرب تناول.

قصائد المجموعة هي أقرب إلى القصيدة القصيرة، عدا قصيدة مهداة للشاعر الكبير خالد أبو خالد.

لا تخلو المجموعة من هنات وزنيّة، والمؤلم أنّ هذا صار شائعاً، وأغلبيّة من يحرثون في تلك الحقول لا يتوقّفون عنده، وما أظنّ أن هذا من علامات الصحة..

مجموعة ” نثريّات روح” جاء عنوانها معبّراً عمّا في داخلها، فهي مهتمّة بشؤون الوجدان والتّوق والفقد والحنين..

ما كتبتُه محاولة بسيطة للفت الانتباه، ليس إلاّ..

عبد الكريم النّاعم