ثقافة

نشأت حمارنة.. رمز مشرق لوحدة المجتمع العربي

له في كل عاصمة عربية، بل في كل مدينة وبلدة عربية، أصدقاء وزملاء ومتابعون وحكايات مفيدة وطريفة. كان “مختار العرب” غير منازع. هو رمز مشرق لوحدة المجتمع العربي. مركز دراسات وحدوية قائم بذاته. يعنيه كل ما في المجتمع الممتد من الخليج الثائر إلى المحيط الهادر. وقبل أن تكون لدينا وسائل تواصل اجتماعي، كانت له وسائله التي من خلالها تصله أخبار العرب في شتيت أقطارهم. مارس مواطنة عربية منطلقة من دمشق، لكنها ذات ركائز في كل عاصمة عربية. ذلك، باختصار، شخص لا يختصر. إنه الدكتور نشأت حمارنة، أستاذ طب العيون في جامعة دمشق، صاحب مجلة “الكحال” المتخصصة بتاريخ طب العيون لدى العرب، البعثي منذ نعومة أظافره، عضو القيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي لعقود طوال.
قبل أيام انتقل إلى رحمة الله ذلك الذي لا يهدأ. أكاد لا أصدق أنه حرم من القدرة على الحركة. عرفته قبل نحو من عقود ستة، فما رأيته في أية لحظة منها مستكيناً راضياً منفعلاً بالأحداث راضخاً لها. له أساليبه في استنبات التفاؤل، وأولها الانخراط في العمل المفيد. له أساليبه في الاحتفاظ بأصدقائه وفي مضاعفة عديدهم، وأولها الاهتمام الإنساني بهم، وإضفاء الفرح على علاقته معهم.
عرفته من خلال الزمالة الطلابية في جامعة دمشق خلال النصف الثاني من الخمسينيات. لم تجمعنا كلية واحدة. لم أكن معه في كلية الطب إلا أنه كان معنا في كليات الجامعة كافة. كان معنا بنشاطه الطلابي الجامع بين الطب والحزبية والثقافة والفن والنشاط الاجتماعي الوطني والعربي العام. بل لم يكن غريباً عن أي نشاط جامعي مهما كانت طبيعته ولون القائمين به. ولعله يسر، وهو في كنف الرفيق الأعلى، إذ أستعيد ظروف لقب أطلقته عليه، فسر به، ذات يوم أوائل عام 1960. كان علي – بصفتي مقرر اللجان الثقافية في اتحاد طلاب جامعة دمشق – ضمن لجنة من الأصدقاء، اختيار المرشحين لعضوية الوفد الطلابي إلى أسبوع شباب الجامعات الذي يعقد في القاهرة. أتى اسم نشأت حمارنه. لأية لجنة يصلح نشأت؟ تبارى المجتمعون في ترشيحه لإحدى اللجان الست التي ستمارس نشاطها في الأسبوع المشتهى. قلت آنذاك وبحضوره إنه “مسدس المواهب”، يصلح لكل واحدة من اللجان الست. وبأسلوبه المتميز علق على اللقب الجديد بأنه يذكره بتعبير “المثلث الرحمات” المتداول في تأبين رجال الكهنوت المسيحي.
لم تنقطع صلتي بالصديق نشأت في مجالات نشاط متنوعة. إلا إنه أطل علي عالماً من خلال كتاب عن فضل العرب في طب العيون نشرته، ربما قبل عامين، الهيئة العامة السورية للكتاب. هالني ما في صفحات كتابه الأولى من شكر لزملاء بالعشرات، وربما بالمئات، أحب تسجيل فضلهم عليه. هكذا هو العالم.
التقيت به قبل عام أو أكثر في الدورة السنوية للمؤتمر القومي العربي في بيروت. كان، كعادته، كتلة حماسة وتحفز. همه كل العرب ولا هوادة. هكذا هو البعثي.
ولا تنتهي الحكايات مع نشأت وعنه، وكلها مفيد وطريف. فليكن ذكره مؤبداً من الآن وإلى دهر الداهرين. وكل نفس ذائقة الموت، وإنّا لله وإنّا إليه راجعون.
د. جورج جبور