ثقافة

أحمد جميل الحسن ..الوفي للثقافة ولفلسطين ولسورية

أحمد جميل الحسن صاحب رواية “الغريبة” –من إصدارات وزارة الثقافة-التي جسدت واقع المخيمات الفلسطينية بتفصيلاتها اليومية، وباحت بأوجاع الفلسطينيين وبتجذرهم بأرضهم”، انخرط بصفوف المقاومة الفلسطينية وأصيب ثلاث مرات،أصدر مجموعات قصصية متعددة منها، “شيء من الحزن”، وهو مؤسس ملتقى الثلاثاء الثقافي ومقرر جمعية القصة في اتحاد الكتّاب والصحفيين الفلسطينيين، الذي نقل الثقافة من أسطحة المنازل إلى المنابر- كما ذكرت الشاعرة د. بيسان أبو خالد_ كُرّم مؤخراً من قبل وزارة الثقافة –مديرية الثقافة في دمشق- في المركز الثقافي العربي في الميدان بندوة حوارية أدارها الناقد ملهم الصالح وبحضور عدد من الأدباء الذين تحاوروا حول علاقتهم بالأديب الحسن، واتخذت شهادة بعضهم طابع السرد لذكرياتهم بينما ركزت شهادة بعضهم الآخر على جوانب ثقافية وتحليلية، لتلتقي جميعها على أهمية ما قام به الحسن لتعزيز حضور الثقافتين الفلسطينية والسورية وتصميمه على استمرار ملتقى الثلاثاء ودعم المشهد الثقافي رغم الحرب التي نعيشها.
وأوضح الصالح  بأن التكريم يأتي في إطار ما قدمه الحسن للثقافة الفلسطينية والسورية من خلال إدارة الملتقيات، واستقطاب المبدعين، ومنح فرصة لإبداعات الشباب وتنمية مواهبهم وتقديمهم للجمهور، واصفاً إياه بأنه ظاهرة ثقافية. ومن هنا جاءت فكرة تكريمه من قبل مديرية الثقافة، وليس لنتاجه الأدبي الذي يستحق التكريم أيضاً.

سهرة الجمعة
وتوقف الصالح في حواره مع أحمد جميل الحسن عند انطلاق فكرة سهرة يوم الجمعة التي كانت تقام في منزله في الحجر الأسود منذ عام 2003 واستمرت إلى أن غادر الجميع هذه المنطقة التي خضعت لسيطرة الإرهابيين في عام 2011، وإثر ذلك خسر الحسن منزله وكل ما يملك إلا أنه رفض أن يغادر سورية التي يعدّها فلسطين الثانية.
وتحدث الحسن عن مراحل تطور سهرة يوم الجمعة بعد ثلاثة أشهر من انطلاقها لتتصاعد شهرتها وتخرج من إطار المحلية في الحجر الأسود والميدان والمخيم إلى مختلف مناطق دمشق ومن ثم المحافظات، وغدت مكاناً اجتماعياً وثقافياً تقترب فكرته من الصالون الأدبي، يؤمه عدد من كبار الأدباء والصحفيين والأساتذة الجامعيين من جميع محافظات القطر.

قيمة الوفاء
وتوقفنا عند مقتطفات من بعض الشهادات المكتوبة التي ألقاها الصالح بالنيابة عن بعضهم والارتجالية مثل شهادة د. بيسان أبو خالد التي حضرت نيابة عن والدها الشاعر خالد أبو خالد، فتحدثت عن تجربتها الخاصة مع الحسن الذي دعم مسيرتها الشعرية ووجه لها ملاحظاته النقدية، وتطرقت إلى العلاقة الإنسانية الحميمة التي تجمعه مع المحيطين به، وتابع الأديب عدنان كنفاني حديثه عن السمات الإنسانية التي يتحلى بها الأديب الحسن، وأهمها قيمة الوفاء لفلسطين ولسورية وللثقافة، وأشاد بالدور الكبير الذي أداه الحسن في جمعه القامات الفلسطينية الكبيرة في الملتقى وتعميق الثقافة الفلسطينية وتجذيرها في ذاكرة كل الأجيال.
أما القاصة هدى الجلاب فاتخذت من رواية “الغريبة “مدخلاً لحديثها عن موقف أحمد جميل الحسن من المرأة التي يحترمها ويعزز دورها الحياتي والثقافي مشيدة بإنصافه المرأة المظلومة، كما حملت أحداث الرواية التي تجذر الانتماء لفلسطين .
وأثنى الناقد عماد فياض على ما يبذله الأديب الحسن لمساعدة الآخرين متوقفاً عند تجربته الخاصة في مجال الأدب والنقد ورعاية الحسن له، وأوضح القاص رسلان عودة ملامح وخصائص السرد القصصي والروائي عند الحسن مركزاً على خاصية الرمز والانتماء والارتباط بالمكان والانزياح بالمفردة. وتابع الأديب أيمن الحسن قائلاً : “لقد استطاع هذا الرجل أن يرتقي سلم الأدب الصعب” متوقفاً عند نتاجه الأدبي ودراساته، ونوّه إلى أن التكريم الحقيقي يكون بدراسة نتاجه الأدبي.
وترى الأديبة توفيقة خضور أن الأديب أحمد جميل الحسن لم يقع بغرام إنتاجه الأدبي، وإنما وقع بغرام ما ينتجه الآخرون وشُغل بتطويره وتسليط الضوء عليه مع أن ما يكتبه يرقى إلى مستوى فني رفيع.
وتواصلت فاطمة أبو شقرة المقيمة حالياً في ألمانيا مع الناقد الصالح بإرسال رسالة تشيد فيها بتعاون الحسن مع كل الأصدقاء الذين يرتادون الملتقى واصفة إياه بالأب الروحي والأخ والصديق.
كما أرسل د.عادل فريجات من باريس كلمة يعود فيها إلى أجواء السهرات الثقافية في منزل أحمد جميل الحسن، التي كانت تجمع مجموعة من الكتّاب وأصحاب القلم على اختلاف مشاربهم وتباين أعمارهم وتعدد مستوياتهم العلمية، ووجد أن هناك تشابهاً بينه وبين صالون مي زيادة في القاهرة، إذ يجمع بينهما انتماؤهما لفلسطين العظيمة وللحقيقة والتاريخ، وبيّن أن السهرات في منزل صديقه (أبو جلال)أسهمت بتنمية مواهب شابة وعززت علاقات تعارف وثقافة وهدمت حواجز بين الأجيال، والأهم بأنها لم تكن نتضوي تحت أي سلطة سياسية، بل الهدف منها كان تعزيز مهمة النقد الذي يمثل الجناح الآخر للعملية الأدبية. وأشار إلى إصراره على التطور وإلحاحه على النضج ومثابرته على اكتمال أدواته وامتلاك عدته وعتاده، مما مكّنه أن يصبح اسماً هاماً في عالم الأدب عامة والسرد خاصة.
ووصفه الأديب رياض طبرة بأنه مؤسسة ثقافية قدم ما تقدمه أية مؤسسة لكثيرين من الأدباء والمشتغلين في الأدب وكان معهم على مسافة واحدة، وأن الحرب أخفقت في أن تنال من عزيمته وظل وفياً يتابع عمله الدؤوب في خدمة الثقافة والمثقفين وأميناً على الأنشطة الثقافية  التي تمثل الرد الأمثل على الحرب وتداعياتها واستطالاتها.
وتوقف الباحث في التراث الشعبي معين عمطوري عند ابتسامة أحمد جميل الحسن المعبّرة عن الانتماء إلى فلسطين السابحة في آلام الظلم الصهيوني والترهل العربي، ليتحدث عن لغته السردية ذات الإيقاع السريع والحركة الرشيقة الباعثة للثورة والدفاع والمقاومة بمتخيل له أبعاده الثقافية والإبداعية، وهو الذي جمع بين طبقات أدبية ونقدية متنوعة، واستطاع ملتقاه أن يساهم في خلق إبداعات أدبية ونقاد وأدباء لهم في الساحة الثقافية الحيز الكبير، وشكّل بملتقياته حالة ثقافية معرفية إنسانية أخلاقية أدبية في عمله وعلمه.

مشهد فلسطيني سوري
وعدّ الناقد أحمد هلال أن الأديب والروائي والقاص الحسن سدنة الثقافة، مبدع يحمل مشروعه في أزمنة صعبة ليجمع أهل الإبداع على كلمة سواء، فكان يضم في بيته نخبة من المثقفين والأدباء والكتّاب ويقود حوارات وسجالات مثيرة، وكان الجميع يختلفون بأناقة وحضارة الاختلاف، وهذا شأن من يؤسسون لثقافة مغايرة ويرسمون خط أفق في مشهد ثقافي سوري وفلسطيني كامل البهاء. لكنني في سيرته اللافتة بكل علاماتها أكبر فيه حماسه وغيرته على الإسهام في ثقافة فلسطينية ملتزمة واضحة الرؤيا كما حملها إبداعه القصصي والروائي، ليكون امتداداً عضوياً لمبدعين أسسوا صرح هذه الذاكرة.
وبلغة شعرية جميلة تحدث فرحان الخطيب عن الحسن الذي دأب أياماً وليالي ضاويات باستقبال محبي الأدب، ووصف تلك الجلسات بمواقيت لاتنفك تعلن وجودها في ذاكرة الكثيرين ممن يمجدون الوفاء والتقدير، وكتبت القاصة ندى خطاب في شهادتها المرسلة من هولندا: مهما كتبت وذكرت لا أوفيك حقك، سواء في بيتك أو في الاتحاد، لم يكن المكان عادياً، وإنما أكاديمية في عالم الأدب افتقده كثيراً بقدر ما ابتعدت عنه.

اهتمام وزارة الثقافة
وعلى هامش  تكريمه تحدث الحسن قائلاً: إن تكريمي إنما يدل على أن وزارة الثقافة تهتم بمن يأخذ بيد المبتدئين ويستحضر المغيبين، وهي تخطو خطوات جريئة بتكريم المبدعين الذين يعملون على رفع سوية المشهد الثقافي الذي يرتقي بالإنسان ويخلق ثقافة هادفة واعدة، وفي منحى آخر تكريمي يدل على أن الثقافة الفلسطينية والسورية توءمان لاينفصلان، وأن الفلسطينيين هم سوريون بثقافتهم وفكرهم.
ملده شويكاني