” أزمة عائلية” انعكاس الأزمة على المجتمع السوري
شكّلت عودة المخرج هشام شربتجي في موسم الدراما الحالي بعد سنوات من الغياب إلى الكوميديا علامة فارقة افتقد إليها المشاهد السوري والعربي، خاصة أنه ممن ساهم بتأسيس الكوميديا وفق مدرسته التي استمرت سنوات سواء في سلسلة عيلة خمس نجوم أو مرايا أو الأجزاء الأولى من بقعة ضوء.
ومن الواضح استمرار بعض ملامح من مدرسته القديمة في أجواء “أزمة عائلية” سيناريو شادي كيوان التي حاكت بشكل مباشر تبعات الأزمة وانعكاساتها على حياة المواطن السوري، ليعتمد بالدرجة الأولى على بطولة النجم الأوحد ليكون رشيد عساف الحامل الأساسي للخطاب الدرامي الكوميدي، ورغم تشاركيته بلوحة ثنائية مع – زوجته رندة- رنا شميس والتي تجسد عامل ضغط عليه بالطرف المقابل نتيجة الأعباء العائلية، بقي المحور الأساسي الذي يقود دفة الأحداث نحو شيء جديد في كل حلقة، لتطال هامشاً من هوامش معاناة الشعب السوري ابتداءً من الخطوط العريضة مثل التهجير والآجارات وانقطاع الكهرباء وغلاء الأسعار، لتنسحب إلى تفاصيل أكثر إثارة بالتطرق إلى تجار الأزمة الذين استغلوا حاجة المواطنين لتحقيق مصالحهم الخاصة، وكسب الربح الوفير من أموال الشريحة الأكبر الشريحة المتوسطة بأساليب عدة منها، “التعفيش” الاستيلاء على أثاث المنازل التي اضطر سكانها إلى مغادرتها إثر الاشتباكات في المناطق الساخنة، إلى حضور المعارضة الوطنية، إلى تأثر العملية التربوية. والأهم هو إظهار قدرة الشعب السوري على التكيف مع الواقع وبحثه عن حلول للخروج من مآزق تبعات الأزمة التي واجهته، ليصفه رشيد عساف مع جاره “أبو سالي” الذي يساعده في إيجاد الحلول لانقطاع الكهرباء في أحد المشاهد “بالشعب المبدع”.
وبعيداً عن ردود الفعل المتباينة تجاه العمل فإن ماقدمه رشيد عساف- يجعلنا نتأمل بقدرته على توصيف الحدث عبْر لغته الخاصة المنعكسة على ملامحه ونبرة صوته وحركات جسده وارتفاع وتيرة انفعالاته، واستخدام أدواته وتوظيفها في امتلاك مفاتيح الشخصية القادرة على التحكم بالحدث والتفاعل معه.
الأمر اللافت في أداء عساف تجسيده الشخصية من كل جوانبها في وقت واحد، فنراه الغاضب المتوعد والحنون والمتفهم والهادئ والمتعاون والمتفاجئ بوقع الحدث والحزين والخائف أحياناً، ليعيش يوميات المواطن السوري الشريف المتمسك بهويته وعروبته وقيمه المؤمن بها وفق تتالي مواقف مضحكة يتعرض لها، محاولاً أن يتخطاها بطاقاته الإيجابية وتكيفه مع الواقع الذي فرضته الأزمة.
تمكن عساف من التعامل بفنية مباشرة بذكاء واضح لشدّ انتباه المشاهد وإشراكه في التفكير بخلفيات الحدث الذي ينعكس على يوميات المواطن السوري، التي هيمنت على السياق الدرامي للعمل المنتمي إلى نوع السيت –كوم وتدور أحداثه في المنزل وحديقته الصغيرة.
تميّز العمل بحضور شخصيات مساندة كان لها حضور واضح مثل الفنان بشار إسماعيل وبموسيقا المشاهد الداخلية بشكل خاص تأليف سعد الحسيني وتترجم كوميديا الحدث المترافقة مع “يل للي ياي”، إضافة إلى موسيقا وكلمات الشارة التي ارتبطت بشكل مباشر بظروف الأزمة، فأزمة عائلية صورة عن الأسرة السورية خلال الأزمة من الناحية الاجتماعية وتأثيراتها النفسية والإنسانية المباشرة على الشخوص، وعلى يومياتهم التي جعلتهم يفتقدون إلى الكثير من أولوياتهم ليتعايشوا مع أوضاعهم الجديدة. وقد شكّل هذا العمل الذي قدمه شربتجي بروح اجتماعية كوميدية مدخلاً للبعض للانتقادات اللاذعة وإثارة التهكم على العمل بذريعة أنه كوميديا مسيسة حملت خطاباً مباشراً، والسؤال المطروح أليست الكوميديا الهادفة مبنية على رؤية سياسية واجتماعية ناقدة تشكل موقفا من الظاهرة التي تتناولها، فما المستغرب من أجواء أزمة عائلية؟
ملده شويكاني.