ثقافة

الـدرامـا الـسـوريـة.. وجـمهـورهــا

لم تجد شركات الإنتاج المحلية  “عام- خاص-دوار – مشروع”بُداً في التوجه إلى الجمهور المحلي، سواء ذاك الذي بقي في البلاد ولم يغادرها خلال الحرب، أوأولئك الذين “ضبوا الشناتي” وسافروا إلى أي بلد كما أمرتهم الدراما التلفزيونية ذات رمضان- حيث الجميع ربما تجمعهم الدراما السورية, من في الداخل يرى فيها ذكريات الماضي الذي كان، ومن في الخارج “يفش” حنينه فيها أيضا، باعتبارها تعيده إلى الوطن و”حواري” الوطن وأزقته-، لم تجد هذه الشركات في انتقائها لما تصنع من المسلسلات، حرجاً من تفرقة هذا الجمهور أيضا والعمل على تقسيمه أكثر مما هو حاصل على أرض الواقع!، وذلك من خلال بعض الأعمال التي قدمتها في هذا الموسم الرمضاني، الذي حدث أنه مرّ بالحرب للسنة السابعة على التوالي، دون أن يقرر صُناع الدراما المحلية أنهم لم يستطيعوا النهوض بهذا القطاع فقط، بل تركوه في حالة يرثى لها، ولم يقتنعوا بعد كل الانتقادات التي قُدمت لهم والنصائح أيضا، بالعمل بمنطق آخر غير الذي ساد عملهم سابقا، من أجل إنقاذ هذا الموسم ولو من باب “تعلمنا من أخطاء الماضي”-،
وفق هذا المنطق التجاري الغريب والبعيد كل البعد عم الإبداع الذي استهلكنا سماع اسمه دون رؤية شخصه الكريم “السيد إبداع” صار لدينا جمهور موال سيتابع الهمروجة الإعلامية التي يقيمها هذا الصحفي أو غيره، ممن “يكوعون” بعد تهديد بسيط يطلقونه على صفحاتهم الاجتماعية فيتم شراء رضاهم بأبخس الأثمان، حيث ستجد هذه الشريحة التي تم افتراضها موالية في بيئة الأعمال التي تحاكي الواقع وانتهى الأمر، ستجد شيئا ما،تؤمن فيه وبقيمه المقلدة هنا في بعض خيوط العمل، وجمهور “معارض” – في حال صحت التسمية-، أيضا سيجد ضالته في النيل من هذه الشريحة الاجتماعية أو غيرها، بما يتم وصفها به في تلك الأعمال، وسنقدم مثالا على هذا.
أما هذا التفريق بين الجمهور المتابع لدرامانا المحلية جدا – على اعتبار يوجد دراما شبه محلية سنأتي على ذكرها في مقال لاحق-، فتارة يأتي بمباشرة فجة سبقها الواقع بأشواط بعيدة، كما في مسلسل “شوق” – إخراج “رشا شربتجي”، حيث يظهر العمل حتى الحلقة التي انتهى فيها أسبوع الماراتون الدرامي الرمضاني الأول، بدون أي حبكة تشد وتُحدث فرقا، يجعل الجمهور يقرر أن يتابعه من بين عديد الأعمال الدرامية، التي لم تخف بعد بوارق الدعاية والترويج لها، وقد تأخر كثيرا “شوق” في هذا، فالجمهور اختار ماذا سيتابع وانتهى الأمر!، ولكن لماذا؟ ببساطة للأسباب التالية: “مطمطة القصة لتصبح على مقاس أيام الشهر الثلاثين، تكرار لنفس الأحداث و المشاهد التي تتغير مواقع تصويرها وأحيانا لا، بينما حواراتها ذاتها وإن اختلفت العبارات، إن كان في سجن النساء الغريب العجيب هذا، أو “مجد” وحديثه وأهله وأصدقائه حول الزواج الذي لم ينته، بينما قلبه وعقله يتنازعان، في إشارة سمجة إلى من يقف محتارا الآن بين البقاء في سورية والاستقرار الذي يعنيه الزواج، أو الخروج أيضا والزواج من امرأة أخرى ومن جنسية أخرى، وما يعنيه الأمر، أيضا الحوار العائلي الذي لم يتغير بين هل خُطفت “روز” المعارضة، أم ماتت، ومن خطفها؟ هذا عدا عن افتقار العمل إلى الحوار الحركي، إلا ما ندر،ليكون الاعتماد التام على الحوار الرث المتبادل بين الممثلين، هذا بالنسبة للمباشرة والسطحية في تفريق هذا وذاك من الجمهور.
أما طريقة التعامل بمواربة وتقديم السم في العسل كما يقال، فجاءت مثلا في مسلسل “أزمة عائلية” الذي أخرجه “هشام شربتجي” بعد انقطاع عن أعمال “الست كوم”، والذي يقدم بين شخصياته الرئيسة، شخصية “أبو نضال” – أداها الممثل بشار إسماعيل- بما ترمز إليه سواء في لهجتها المعروفة، أو تصرفاتها اللاأخلاقية حيال جيرانها، بكونه”الشبيح والمعفش وكتيب التقارير، وجاسوساً مخابراتياً على جيرانه، عدا عن علاقاته الأكيدة مع “فوق”، الخ من الترهات التي ألحقها الكاتب بالشخصية، وهو واثق بأن إيحاءها لن يمر مرور الكرام، بل سيكون له أثره أيضا في زيادة الفرقة بعد كل مصائبنا، حيث سيجعل العمل فريقاً ما، يتبنى هذا الطرح ويجعله حجته في النيل من الفريق الآخر، – أبو نضال وأمثاله هم السبب بما يحدث وما لم يحدث، كما جاء على لسان الفنان الكبير “رشيد عساف” في شخصيته التي يؤديها بالعمل المذكور- وفريق آخر يمتعض من الكذب الهائل الذي أحُيق بهذه الشخصية وبمن ترمز لهم، والجمهور ليس غبيا-، وهكذا تنشأ الخلافات عادة في الشارع الذي يحاكي دراماه، هذا علم مثبت وليس من ضروب الخيال.
الحديث النقدي الذي يعتد به بما يذهب إليه من طروحات نقدية تفصيلية، لم يظهر بشكله الفعلي بعد، خصوصا وأن العديد من الأعمال خرجت من سياق العرض هذا الموسم – ربما لحسن حظها- “شبابيك- ترجمان الأشواق- سايكو” ولكن مقياس “الجمهور” الذي لا يخطئ، يبدو أنه قال كلمته وانتهى الأمر، الدراما السورية هذا العام محبطة لآمال الجميع، هذا ما اتفقت عليه ضمنيا شريحة واسعة من السوريين، إن كان على صفحات التواصل الاجتماعي، أو في الحياة عموما أثناء تبادل الحديث مع الآخرين حول هذا الشأن، وفي الوقت الذي ذهبت فيه شركات الإنتاج لتفرقة هذا الجمهور، ها هو يجتمع ليقول ما قاله، عن سوية هابطة للأعمال التي يتابعها، كونها تسلية هذا الجمهور الوحيدة، في الداخل طبعا، أما من في الخارج، فيبدو وكأن هناك شبه “دراما سورية” تُصنع لأجله كما لو أنه متفرج خليجي، فما حاجته لمتابعة محطاته المحلية وما تقدمه من أعمال درامية، صار واثقا من كون مبضع رقابتها، لا منهجاً معيناً وصارم يستطيع أن يسير عليه في عمله، عدا عن كونه ليس صادقا ومهنيا سلفا بما يفعل كما تم الترويج له.
إذا الموضوع اليوم خرج من يد النقاد والكتاب والصحفيين ومدراء المكاتب الإعلامية – البدعة الجديدة لدينا- خرج من يد الشاشات والنجوم والمخرجين والروافع التي تحاول استنهاض همم الجمهور في حفلات ممجوجة، طبيعة وحال الدراما المحلية بأنواعها قال الجمهور فيها كلمته، وهذا لا يُشرى ولا يباع، وكلمته على رأس لسانه كما يقال، ومن الآخر قال هذا البحر من الناس: كم مؤسفة هي الحال التي صار عليها العمل الدرامي التلفزيوني السوري، أين زمان هذا العمل أو ذاك؟ سقا الله يا سورية سقا الله.
تمّام علي بركات