ثقافة

الأزمة وتجلياتها في الشعر السوري.. لوحات شعرية معلقة على جدار الجرح النازف

شكلت المحاضرة التي أقامتها اللجنة المناطقية للحزب الشيوعي بالسويداء بعنوان “تجليات الأزمة لدى الشعراء في سورية” ضمن ملتقى خالد بكداش الثقافي، وقد استعرض عضو اتحاد الكتاب العرب الشاعر فرحان الخطيب مجموعة من العينات الشعرية ووزعها عبر ثماني لوحات تشترك جميعها في مدى تأثير الأزمة على تحركات الشاعر ونصوصه وقال الخطيب:
“برزت خلال الأزمة العديد من اللوحات الشعرية المتعددة والمعلقة جميعها على جدار الجرح السوري النازف، منها لوحة الملامح العامة التي تبددت فيها أرواح الشعراء هائمة حائرة على تضاريس الوطن، فكانت تمثل الوجع العام دون الدخول إلى جزئيات الصورة أو إلى التشخيص المفضي إلى استنباط الألم الحاد ومركزه الحارق” مستشهدا في هذا الإطار بعدة قصائد منها للشاعر الدكتور محمد توفيق يونس الذي قال:
“كيف يرقى العقل إلى ألم الزمان
ويترك للموت أن يترجل
بين أشجار وأزهار وينابيع
ولا يمل من دم يسيل على النار والأنوار”.
ومن الاتجاهات الشعرية التي ظهرت خلال الأزمة تحدث الخطيب عما أسماها “لوحة حاملي سيوف المحنة” استند فيها إلى العديد من الحالات التي قدمها الشعراء كالشاعر هاجم العيازرة الذي رأى أن أعداء الوطن القادمين من الخارج قد ركبوا خيل الغرائز العمياء حاملين جهلهم وفراغ عقولهم وانتماءهم الضال إلى الكفر والمعصية حيث قال:
“وأتوا على خيل الغرائز دونما أرض ولا سبل ودون فضاء
الذاهبون إلى فراغ عقولهم بئس انتماء الجهل والجهلاء”.
ولفت الخطيب إلى لوحات “جرائم الحرب” التي قدمها الشعراء حيث سيطر عليها لون الدم وما يتبعه من تمثيل بالأجساد وتقطيع للأوصال التي مارستها التنظيمات الإرهابية، مستشهدا بقصيدة لمحمد الحسن يستحضر فيها التاريخ المتخلف وعنصرية الآخر فيقول:
“وأسألهم.. هل لديهم صهاينة يقرؤون المصاحف
أو أحد يستبيح الغيوب
وهل عندهم مارد بصوت شيخ ويفتي بقتل الملايين
أو بشر يأكلون القلوب..”
وأشار المحاضر إلى صورة الشهيد التي نهضت بأبهى لوحة رسمتها ولونتها أقلام الشعراء السوريين، وتعددت عبر كلماتهم الموحية والعذبة فالدنيا بكل ما فيها تنحني إجلالا وخشوعا لدماء الشهداء، مقدما لنا في هذا الإطار العديد من القصائد مستشهداً بقصيدة للشاعر نوار سلوم الذي قال:
“ولأنهم سرقوا إيقاع القصيدة
فلنا في شهدائنا إيقاع جديد
فمن أثواب الزنابق نهضوا
من خصور اللغة التي ابتدأت رحلتها
بألف شاهقة لا تنحني”.
وكانت دمشق حاضرة لدى الشعراء في ظروف الأزمة حيث بين الخطيب أن الشعراء لم يجدوها إلا ابتداء الدهر وسيدة المدن وقلب الوطن وعنوان العزة والكبرياء، حيث ترى الشاعرة ليندا إبراهيم في دمشق الجنة والفردوس والمجد الضارب في القدم لتقول في قصيدة “لدمشق هذا الياسمين”:
“لدمشق هذا المجد من اليمام على مدى شرفاتها
لدمشق هذا المجد من قدم.. تباركه خيول الفاتحين..”.
وأوضح الخطيب أن هناك من الشعراء من رسم لوحة الحب تحديا للحرب كما يأخذنا الشاعر رجب كامل عثمان في “جنون” قائلاً:
“في هذا المساء يا حبيبتي
أردت أن أحاور النجوم
أن أبدأ الحديث عن ضياعنا في زحمة الركام.. والهموم
إلى متى نظل في سباتنا تغتالنا الأشباح والجراح
إلى متى تهاجر الأرواح..”.
وأشار المحاضر إلى تقديم العديد من الشعراء للوحات التفاؤل انطلاقا من توق الإنسان للخلاص من أي محنة يمر بها، فيبحث محمد حمدان في الطريق إلى سورية آمنة لا حرب ولا قتال فيها ولا موت ولا دمار ،عن كوة للنور فيقول:
“إنني الآن أبحث عن إبرة
كي أشق بها مخرجا.. معلما.. كوة ..
قبسا من بريد الشروق..”.
وبالمحصلة الشعراء هم الأسبق في توثيق الحالة التي يمر بها الوطن بعد انعتاقهم من الزمان عبر ربطهم الحاضر بالماضي، دون الابتعاد عن الحرب ومآسيها وما تخلفه من ويلات كانت محور نتاجهم، وإذا كانت اللوحات تنوعت بين يوميات الحرب والواقع المعاش دون إغفال حالة الأمل والتفاؤل والبحث عن العشق بين الركام، وفي غفلة عن صوت الرصاص، وما كانت صور الحب  في الحرب لترسم إلا لقناعة الشعراء بأن الحرب منتهية لا محالة ويبقى الحب عنوان للجمال والحياة الآمنة.
رفعت الديك