ثقافة

طارق الشريف.. ذاكرة الفن التشكيلي السوري

أثرى طارق الشريف بكتاباته الفن التشكيلي السوري، وكان في طليعة الذين تفرغوا للكتابة التخصصية حول شؤون هذا الفن، إضافة لعمله في مفاصله الرئيسة مدة تزيد على أربعين عاماً، كان للشريف خلالها دوره الفاعل والمؤثر في الحركة الفنية التشكيلية السورية المعاصرة، إن على الصعيد العملي الميداني أو على الصعيد النظري التحليلي والتوثيقي مما يجعل منه قرينة رئيسة من قرائنها، وهذا يوجب برأي د.محمود شاهين عميد كلية الفنون الجميلة التوقف عند مسيرته الطويلة ودراستها وتوثيقها كونها تشكل ملمحاً أساسياً من ملامح التشكيل السوري المعاصر ومكوناً رئيساً من ذاكرته.. ومن هنا تأتي أهمية بادرة المركز الوطني للفنون البصرية في جامعة دمشق في التوثيق لهذه المسيرة عبر الكتاب المميز الصادر عنه مؤخراً، والذي حمل عنوان “طارق الشريف” ليكون خطوة أولى في طريق مشروع لملمة مكونات وعناصر ذاكرة الفن التشكيلي السوري المعاصر وتوثيقها بشكل علمي وموضوعي، وهذه إحدى المهام الوطنية والحضارية الكبيرة والملحة برأي شاهين والتي يعمل عليها المركز.

لا يعرف المجاملة
يضم الكتاب -الذي صدر بحلة أنيقة- مجموعةً من الشهادات التي قدمها عدد كبير من الفنانين والنقاد، والتي لخصت المسيرة الفنية الغنية لطارق الشريف الذي وصفه مدير المركز الوطني للفنون البصرية د.غياث الأخرس في مقدمة الكتاب بالناقد الفضوليّ للمعرفة أمام الإنسان والفن فقد كان فضولياً أثناء الحوار، ويسمع أكثر مما يتكلم، مبيناً أن الشريف جالس وحاور جميع الفنانين، وكان قارئاً فذاً للعمل الفني بسبب معرفته العميقة بالفنان، وكانت لديه الثقافة والموهبة الكافية لتفكيك اللوحة من خلال فهمه لصاحبها، وكان نقده لبعض الفنانين الواعدين -رغم علاقاته البعيدة مع البعض منهم- صريحاً لا يعرف المجاملة، وفي بعض الأحيان كان موضوعياً في قسوته ونقده لأنه كان يرى الإنسان والأعمال من الجانب الإيجابي وهو الذي عاشر الكبار الذين كانوا يعتمدون على مقالاته، مؤكداً د.الأخرس أن ما نفتقده اليوم قراءته الفنية العميقة لكل أجيال الفنانين.

عشرون فناناً سورياً
لم يكن طارق الشريف فناناً تشكيلياً، لكن ما من تشكيلي يجهل اسمه أو ينتقص من أهمية حضوره في الحياة التشكيلية السورية والعربية، فعلى مدى أربعة عقود كان، كما يشير الفنان والناقد سعد القاسم في شهادته واحداً من أكثر الأسماء حيوية في مجال النقد الفني العربي، والاسم الأبرز على المستوى الوطني في مجال إدارة العمل التشكيلي من مواقع مختلفة تولى مسؤوليتها، وكل ذلك مصحوباً بمعرفة فنية واسعة ومتابعة دقيقة ودؤوبة دفعت لاعتباره ذاكرة الفن التشكيلي السوري، مبيناً القاسم أن اهتمام الشريف في مرحلة تالية تركز حول الاتجاهات الراهنة في الفن التشكيلي السوري (أواخر الستينيات) وسعي التجارب الرائدة للمواءمة بين التأثيرات الغربية المعاصرة والإرث الفني المحلي، وتجلى هذا في كتابه “عشرون فناناً من سورية” الذي أنجزه عام 1969 وصدر عن وزارة الثقافة عام 1972، متضمناً مقالات عن عشرين فناناً كتبها بين عامي 1967 و1968 في الوقت الذي كان يتابع فيه بحثه حول بدايات الفن التشكيلي السوري، هذا البحث الذي أسس لمحاولته تأريخ هذا الفن والذي نشره في مطلع الثمانينيات، فكان مستنداً لكثير من الأبحاث والدراسات التي جاءت بعده، ومنها كتاب “الفن التشكيلي المعاصر في سورية” الذي أصدرته صالة الأتاسي عام 1998 وأثار اهتماماً واسعاً في الوسط التشكيلي.
أما آخر ظهور رسمي له -يبين القاسم- أنه كان في حفل تكريمه الذي أقيم في مركز أدهم إسماعيل بمناسبة مرور خمسين سنة على تأسيس المركز، وفي لقاء مع الصحفيين على هامش الحفل حدد طارق الشريف وجهة نظره حيال مسؤولية الفنان العربي في ظل الواقع العالمي الراهن فقال: إن عدم وعينا لأهمية تراثنا سيجعل هذا التراث غريباً عنا، وعدم القراءة الجديدة له عبر واقعنا الراهن سيفسح المجال أمام التشويه المضرّ بمستقبلنا الإبداعي وبهويتنا الأصيلة، فالمرحلة الراهنة للأمة العربية تتميز بوجود غزو ثقافي يستهدف الوجود، مما يستدعي من الفن الحقيقي أن يكون شاهداً على عصره، ومسؤوليات الفنان العربي حيال ذلك كثيرة جداً.

حازم في أمره
وفي الوقت الذي انتشرت فيه فوضى الأقلام وعلت في بعض الصحف أصوات النشاز وقارعي طبول الترويج لأشباه النجوم في التشكيل السوري بقي طارق الشريف -كما يؤكد الفنان فؤاد دحدوح في شهادته- نقياً في عمله وحازماً في أمره دون مواربة أو تضليل، ولعله وجد في الاستجابة لشيطان الكتابة ملاذاً لروحه في حياة امتدت ثمرة العطاء فيها إلى أكثر من سبعين عاماً، ولم تكن مقالاته وأبحاثه إلا انعكاساً حقيقياً للواقع التشكيلي، والتي راحت تظهر تباعاً وبزخم شديد في المجلات والصحف اليومية في الفترة الواقعة ما بين 1960-2013 تخللتها في سنين متفاوتة عدة مؤلفات له، منها “عشرون فناناً من سورية” و”فاتح المدرس” و”الفن واللافن” و”نعيم إسماعيل” وغيرها من المؤلفات التي لعبت جميعها في مجلة “الحياة التشكيلية” التي ترأس تحريرها دوراً أساسياً في رسم الخط البياني للمحترف التشكيلي السوري والعربي على حد سواء.
تضمن الكتاب أيضاً مجموعة من العناوين التي لخصت مفهوم طارق الشريف لـ  “النهضة، المعاصرة والأصالة”، والعديد من المقالات التي كتبها في مجال النقد الفني، إلى جانب ما كتبه الشريف عن بعض الفنانين وخاصة الفنان لؤي كيالي، وما كتب عنه ونموذج من بعض المقالات التي كتبها والحوارات التي أجريت معه.

أمينة عباس