ثقافة

موت في الوقت الخطأ

كانت جاهزة بكل الأوقات للموت.. كل خلية منها كانت تقول ذلك بلا توقف.. وفي لحظة إصرار منها قررت أن ننقلها للمستشفى حيث اعتقدت بأنه المكان المناسب والمريح للموت.. وصلنا إلى هناك حاملين في قلوبنا بعض الأمل بالشفاء لها وما إن قدر لنا أن ندخل حتى خيل لي بأني قمت بفتح باب على جهنم بلا أي استئذان.. ولم يعد بالأمر السهل لا الدخول ولا الخروج.. ياالله جرحى وموتى على مد النظر.. بعضهم لم يحالفه الحظ ويعثر على سرير لجراحه فتستريح..
أبطال كشجر السنديان وكقطفة الحبق تخر لهم القلوب ساجدين تجدهم بلا حراك ما من حي يرزق فيهم سوى بعض النظرات والشهقات من حين لحين.. نعم هذا هو حال من يعيش بحضرة الحرب اللعينة بلا تقنين.. حملوا بقوة قلوبهم حب الوطن منهم من جرح ومنهم من استشهد وهم راضون مرضيين..
حقيقة للحظات ولمرارة المشهد كدنا ننسى لما أتينا وبدا حملنا خفيفاً جداً، فقياسا بجراحهم وآلامهم وتوسلات الأهل وتقبيل قدمي الرب كل لحظة لينجو أبناؤهم.. هذه الصور أخمرتني، خلتها مشاهد من الحرب الفيتنامية الدامية وذهلت ببراعة أداء الممثلين..!!
على ما يبدو لم يكن لهؤلاء العظماء سوى المرض من ألد الأعداء وأوفى الأصدقاء والألم هو الوحيد الذي ظل وفياً حتى الموت..
القدر لا يحكمه العقل، فما نحن فاعلون!! قالت نظرات أم لأحد الجرحى كانت تقف أمامي ..
في مثل هذا المستوى من الرؤيا البطولية يتصالح كل شيء في نفسك فترى كل المتخاصمين من أفكار ومعتقدات وديانات وأشخاص ووو… في قلبك قد أصبحوا أخوة دفعة واحدة.
لقد تعانقنا كسوريين نحن والألم وتذوقناه بأكثر من طعم وطريقة، وحاولنا أن نصاحبه علنا نتغلب عليه ونتخلص منه، ولكن كل ما فعلناه كان ضرباً من العبث في دورة الدم هذه..!!
كان وجهها كغيمة تتماسك قليلاً ثم تتبعثر وتتلاشى بنوم جليل.. صرختها الأخيرة حفرت في ذاكرتي أخدوداً عميقاً لن يردم ما حييت.. وبدأ دمي المخضوض بنقل الخبر لكامل الجسد.. نعم ماتت.. هكذا أفكار لا تستوعب من الصفعة الأولى.. تحتاج لقلب وعقل فسيفسائي القوام..
أعرف بأن الموت خارج تسويات الزمن، لكن برودته عندما يأتي في الوقت الخطأ هو أصعب من الموت نفسه..!
الموت بلا لزوم مخجل ومهين ولهذه الحياة هامش أكرهه ككرهي للظلم..
للموت جولة وللعذاب في هذه الحياة ألف جولة وجولة..!!
لينا أحمد نبيعة