ثقافة

الموشح على كافية ابن رجب

درج علماء العربية منذ القدم على وضع المقدمات النحوية، راغبين بذلك في تنسيق قواعد اللغة العربية وتدوينها، فتعددت المقدمات وتنوعت، وكثرت شروحها واختلفت، ومن هذه المقدمات (كافية ابن رجب)، هذا العالم الفذ الذي رغب في تسهيل النحو على دارسيه فاختصره في كافيته، إلا أن هذا الاختصار أدى إلى غموض عبارات الكافية وإبهامها، فانكب الناس على الاشتغال بها، وأوسعوها شرحاً حتى ربت شروحها على مئة وعشرين شرحاً، ومن هذه الشروح كتاب (الموشح على كافية ابن رجب) الصادر مؤخراً عن الهيئة العامة السورية للكتاب، تأليف: أبو بكر الخبيصي، دراسة وتحقيق: د. عصام درار الكوسى.
والكتاب من الشروح المهمة في علوم العربية، وذات الفضل على دارسيها، يمتاز بكثرة نسخه واسمه المميز، فضلاً عن كونه شرحاً مختصراً، سهل العبارة، غزير الشواهد؛ إلا أنه وكما جاء في مقدمته على لسان محققه: “ما زال قابعاً في ردهات الظلمة والنسيان، فعقدت العزم أن أخرج هذا الكتاب ومؤلّفَه إلى النور رافعاً عنه غبار قرون عدة، لعلي بذلك أضيف لبنة جديدة إلى صرح النحو العربي الشامخ، ليظل شاهداً على عمق حضارتنا”.
بدأ محقق الكتاب د. عصام درار الكوسى كتابه بعرض لمخطط دراسته، مقسماً إياه إلى خمسة فصول. عقد الفصل الأول منه للحديث عن حياة ابن الحاجب صاحب الكافية مستعرضاً اسمه ونسبه، وشيوخه وتلاميذه، متحدثاً في جزئية منزلته ومؤلفاته عن الأسباب التي توافرت لابن الحاجب فجعلت منه عالماً مبرزاً، أخذ حيزاً كبيراً في الحياة العلمية والأدبية حتى قال فيه الإمام أبو الفتح القشيري: “هذا الرجل تيسرت له البلاغة، فتفيأ ظلها الظليل، وتفجرت ينابيع الحكمة، فكان خاطره ببطن المسيل وقرب المرمى، فخفف الحمل الثقيل، وقام بوظيفة الإيجاز، فناداه لسان الإنصاف ما على المحسنين من سبيل”؛ عارضاً لمذهبه النحوي الذي أجمعت كل الدراسات التي تناولته بالدراسة والتمحيص على أن ابن الحاجب كان يتمثل في آرائه النحوية المبدأ الانتقائي مع ميل واضح نحو رأي أهل البصرة.
وتناول محقق الكتاب في الفصل الثاني من مخطط الدراسة كتاب (الكافية) مبيناً أهميته إذ رأى بأن هذا الكتاب يجمع بين تطور المنهج وشموله جميع المقاصد النحوية، والإيجاز – بعد أن حذف الكثير من المناقشات الجانبية التي تجلب الصعوبة للمتعلم وتبعث فيه الملل – والوضوح بسبب حدودها الكبيرة التي اتسمت بالدقة، فغدت محط أنظار النحويين؛ المعاصرين لها والمتأخرين عنها الذين تناولوها بالشرح والتعليق، حتى قال فيه السيوطي: “لم يؤلف عليه ولا غالب كتب النحو مثله جمعاً وتحقيقاً، فتداوله الناس واعتمدوا عليه، وله فيه أبحاث كثيرة، ومذاهب ينفرد بها”؛ ذاكراً المنهج الذي اتبعه ابن الحاجب في كافيته والذي سار فيه على منهج الزمخشري في مفصله، إذ واكب ابن الحاجب كتاب المفصل للزمخشري في أغلب تقسيمات كافيته، وإن خالفه عندما صنف للصرف مصنفاً آخر. معدداً في ختام هذا القسم شروح الكافية ومختصراتها ومنظوماتها.
وفي الفصل الثالث من مخطط الدراسة وقف محقق الكتاب عند أبي بكر الخبيصي (اسمه، ونسبه، ومؤلفاته)، وكتابه الموشح في شرح الكافية مستعرضاً تقسيمات الكتاب ومنهج الخبيصي فيه إذ رأى بأنه في شرحه للكافية الذي وضعه في جزأين التزم ترتيب الأبحاث كما جاءت في الكافية، واتبع أسلوب الشرح الممزوج، فمزج بين عبارة الكافية وشرحه بأسلوب مكنه من جعل الكتابين كتاباً واحداً، يصعب الفصل بينهما.
والخبيصي وهو واحد من النحاة المتأخرين، في شرحه للكافية اتكأ على آراء النحاة السابقين له، فقد استقى مادته النحوية من مصنفاتهم، بيد أنه لم يصرح بأسماء المصنفات، التي أخذ مادته منها سوى مرة واحدة عرضاً، عندما ذكر كتاب سيبويه الذي كان في مقدمة العلماء الذين نقل عنهم الخبيصي إضافة إلى الأخفش، والمبرد، والكسائي، والزجاج، والفارسي، وابن مالك، والمازني، والسيرافي، والجرجاني؛ الأمر الذي جعل كتاب الكافية مرجعاً نحوياً مهماً حتى قاربت منزلته منزلة شرح الكافية للرضي.
أما الفصل الرابع فقد أفرد للحديث عن أصول النحو عند الخبيصي ومذهبه النحوي فقد بيّن محقق الكتاب أن السماع، الإجماع، القياس، هم أهم هذه الأصول، موضحاً أن الخبيصي في شرحه اعتنى بآيات القرآن الكريم وقراءاته، والحديث النبوي الشريف، كما اهتم بالشاهد الشعري كثيراً إلى جانب اهتمامه بأقوال العرب وأمثالهم، هذا فيما يتعلق بالسماع، كما أنه أخذ بالإجماع، إذ نقل الكثير من المسائل التي اتفق فيها نحويو البصرة والكوفة من دون أن يصرح باتفاقهم، إلى جانب اعتماده القياس في عدد من المواضع.
والمتتبع لمنهج الخبيصي النحوي يخلص إلى نتيجة مفادها أنه كان سياراً في ركب ابن الحاجب، فقد كان ذا مذهب انتقائي اصطفائي مع ميل إلى آراء المدرسة البصرية.
والفصل الخامس من مخطط الدراسة وقف فيه د. عصام درار الكوسى للحديث عن معالم التحقيق، والنسخ التي اعتمدها، والمنهج الذي سار عليه عند تحقيقه لهذا الكتاب.
يلي مخطط الدراسة، كتاب الموشح على كافية ابن الحاجب، ثم جملة من الفهارس الفنية التي تسهل الرجوع إليه وتحصيل الفائدة منه، كفهرس الآيات القرآنية، والأحاديث النبوية، والأمثال، والأشعار، والأرجاز، والأعلام.

كتاب (الموشح على كافية ابن رجب) صادر حديثاً عن الهيئة العامة السورية للكتاب. ويقع في 927 صفحة من القطع الكبير.

سلام الفاضل