صفحات الشعراء الشباب
أمينة عباس
كثيراً ما يشكو نقاد الأدب في بلادنا وفي البلاد العربية عامة من تفشّي ظاهرة انتشار أسماء الشعراء بشكل عشوائيّ، بحيث أن أيّ نوع من أنواع الخواطر الوجدانية أو العاطفية أصبحت تقتحم مصطلح الشعر، وتطلق على نفسها مسمّى لطالما كان عزيز المنال إلا لكل عبقري حقيقي في مجال رسم الصورة الشعرية وحياكتها، بأسلوب يرضي نقاد الأدب وجمهوره الذواق على حد سواء.
والواقع أن ساحات الشعر العربي شهدت في النصف الثاني من القرن العشرين امتداداً إلى المرحلة الحالية، حالة لا خلاف عليها من الانتهاكات الصارخة لمفهوم الشعر كما عرفته المنطقة العربية على مدى عقود من الزمن، حيث يشير المنظِّرون لهذه الانتهاكات والمروجون لها إلى أن طبيعة الأشياء المتبدلة والمتغيرة مع مرور الزمن، تستدعي بالتالي نشوء حالات من (التطور) في كافة مجالات العمل الأدبي الإبداعي بما في ذلك الشعر.. وحقيقة الأمر أن هذا كلام حق يراد به باطل، فهذا الدفاع في الواقع كان دفاعاً عن الاندفاعات الشعرية التي هدمت أسس الشعر العربي، وقوَّضت أركانه وحوّلته من أهم إرث ثقافي عربي إلى مجموعة من الكلمات التائهة التي لا تعرف طريقاً إلى قلب وعقل مطلقها، قبل أن تعرف طريقاً إلى قلوب وعقول الناس.
ومما يؤسف له أن دوريات عربية متخصصة في غث الكلام الذي سمي شعراً زوراً وبهتاناً تم تأسيسها في عواصم عربية ورُصِدت لها مبالغ مالية طائلة لتلعب لحين محدود من الزمن دوراً غير بريء في تشويه صورة الشعر العربي، وقد توقفت هذه الدوريات بعد أن قامت بدورها في تخريب الذائقة الشعرية العربية لدى الأجيال.
ومن زاوية أخرى من زوايا الصورة نجد أن صحافتنا بالعموم لم تنزلق هذا المنزلق، بل ربما كان العكس صحيحاً من خلال فرد إعلامنا المكتوب في فترات زمنية مختلفة مساحات للشعر الحقيقي بمختلف أشكاله ومدارسه، بهدف المحافظة على هذا الجنس الأدبي من الزوال، والواقع أن أسماء هامة اليوم كانت قد انطلقت من صفحات الشعراء الشباب في صحفنا، هذه الصفحات التي تحولت أحياناً إلى نوادٍ إبداعية كانت الكلمة الأولى فيها للإبداع الحقيقي.. واليوم ما أحوجنا إلى عودة هذه الصفحات كي تمارس دورها في البحث عن المواهب الشعرية الحقيقية وتقديمها للوسط الثقافي عسى أن تمارس دورها في الحركة الإبداعية في بلدنا.