ثقافة

الدراما بين ارتجالية الطرح والرهان على الاستمرار

سألت أحد الكتاب من أصحاب الباع الطويل في الكتابة الروائية والتلفزيونية إذا كان يوافق أن تحوّل رواياته لسيناريوهات درامية، فأجابني مستهجناً: وأنا على قيد الحياة لن أسمح بهذا الأمر، لأنني ببساطة لا أرغب بخسارة أحلامي، وأرغب أن يرى الناس ما أقدمه عبر الرواية فقط، مبرراً رفضه أنه بشروط الإنتاج القائمة اليوم لا يمكن لأي عمل أدبي أن يحافظ على قيمته الأدبية، وحتى يبقى ويحافظ على هذه القيمة ويكون عملاً مهماً، يجب أن تتوفر ظروف متكاملة له، ومن وجهة نظره ليس من داع لتحويل أي نص روائي إلى عمل تلفزيوني، لأن هوية الرواية هي الأدب، وليس الدراما، إلا إذا كانت هناك عروض مغرية ومضمونة أن هذا العمل ينتج ويخرج بشكل لائق.

ومع أن هذا الكاتب يجيد كتابة السيناريو التلفزيوني بشكل جيد، ويرى الدراما فضاء مفتوحاً للعب والاستمتاع والكتابة العميقة، ومساحة للتعبير عن مجموعة من الأفكار تخص قطاعاً كبيراً قد يختلف معه ولا يقبله، وليس من الضرورة أن يقبله، إلا أنه ينحاز إلى الرواية أكثر، مؤكداً أن الأفكار التي تقولها الدراما تختلف عن الأفكار التي تقولها الرواية بحكم اختلاف الفنين.

انطلاقاً من هذا الكلام وفي نظرة إلى الدراما وما حققته من حضور لدى الناس عبر تناولها لقضاياهم الحياتية والإنسانية، نرى أن الرواية التلفزيونية أو ما يسمى بالسيناريو هو الحامل الأساسي لهذه الدراما من خلال الموضوعات التي تطرحها. وقد أصبحت الدراما العربية والسورية على وجه الخصوص ذات هوية فنية واضحة، تتجلى في العملية الفنية المتكاملة من كتابة وإخراج وتمثيل وإنتاج، وهذا ما افتقدناه في أعمال الموسم الدرامي لهذا العام، قياساً بأعمال الموسم الرمضاني الماضي، حيث مثّل أكثر من عمل انتصاراً للرواية التلفزيونية، وربما من هنا جاءت اتهامات بعض صفحات التواصل الاجتماعي للدراما السورية بأنها رغم ما حققته من حضور هي دراما ارتجالية، وأنه بالمصادفة يظهر عمل مكتمل العناصر الفنية، لأن صناع الدراما يظلون مرهونين لفكرة السرعة بالإنتاج واللحاق بموسم رمضان، فأصحاب شركات الإنتاج يتذكرون بآخر لحظة أنه يجب أن ينتجوا، وحينها يكون الممثلون جميعهم مرتبطين، ودائماً يأتي رمضان وهناك أعمال قيد التصوير، فالأمور تتم دون تخطيط، وهذا ينعكس سلباً على العمل الدرامي.

وإذا توقفنا عند التصريحات الكثيرة التي تطلق حول الخطر المحدق بالدراما السورية سواء من حيث تكرار الموضوعات التي تتناولها، وعدم معالجتها العميقة للقضايا التي تطرحها، أم من حيث الرؤى الإخراجية، خاصة وأن الدراما المصرية استعادت دورها على الساحة الدرامية سواء من خلال عدد الأعمال التي تنتجها، أم من حيث التقنيات الإخراجية، إضافة لحضور الدراما العربية الأخرى مثل  الخليجية واللبنانية التي حقق بعضها حضوراً مختلفاً من خلال توجه الكثير من المخرجين السوريين للعمل فيها، الأمر الذي يحتاج من صناع الدراما وقفة مع الذات لوضع خطط إستراتيجية تنقذ الدراما من ترهلها، بفتح نوافذ جديدة لموضوعات لم تطرحها سابقاً، حيث أنها بدأت تكرر موضوعاتها وإن بلبوسات مختلفة كأن تقدم السياسة بغطاء اجتماعي، إضافة لغلبة ما أطلق عليه أعمال البيئة الشامية والتي لم تقدم من هذه البيئة إلا بعض مظاهرها الخارجية، واليوم ومن خلال ما يطرح حول ما تتعرض له الدراما السورية من تهديد بسبب العقوبات الاقتصادية، التي قد تؤثر على تسويقها عربياً، فمن الضروري البحث عن حلول أخرى، ولعل في هذا بعض من فائدة من منطلق مراجعة الدراميين في هذا الموسم لذاتهم وتجديد أدواتهم وأفكارهم وطرق موضوعات أكثر واقعية تتناول هموم المواطن وتوظيف ما يحدث الآن في سورية لخدمة هذه الدراما بحيث تستعيد في مواسم قادمة حضورها بحرفية ومصداقية أكثر لتبقى جديرة باهتمام المشاهد العربي الذي شكلت الدراما السورية حضوراً لافتاً في اهتماماته الدرامية، وعلى صناع الدراما أن يكونوا أكثر اهتماماً وجدية في تبني أعمال ذات سوية فكرية وفنية تليق بسورية وبدراما تحمل اسمها، واحترام فكر المشاهد السوري والعربي وجذبه والارتقاء بذائقته، حتى لا يكون أسير أعمال هابطة تعرضها قنوات أخرى من أولى رسائلها استهداف فكر هذا المشاهد بما تقدمه من أعمال لاتقدم له أي فائدة، فهل لنا أن نكون جميعاً، كل من موقعه على قدر مسؤولياتنا في مواجهة التحدي الذي تتعرض له درامانا، وأن يصوب أصحاب شركات الإنتاج بوصلة عملهم بتبني أعمال أكثر جرأة وحياتية، وكسب الرهان على استمرار الدراما وتألقها.

سلوى عباس