“الصيفَ ضيّعتِ الكِتاب”!
غسّان كامل ونّوس
أفيق من الصدمة؛ الكتاب بين يديّ، أتعثّر على الدروب الوعرة، وأتوازن قليلاً على الطرق المعبّدة حديثاً بالعمل الشعبيّ، أو من خلال معسكراتِ الفتوّة والشبيبة.. وأستريح في ظلّ شجرة؛ حريصاً على الكِتاب وما فيه، قبل أن أعرّج على واحد أو أكثر من لِداتي، أحكي لهم بعض ما قرأت، فأحفّزهم على ممارسة عادتي، التي تملأ ذلك الصيف، وأصيافاً أخرى؛ استعارة الكتب من مكتبة المركز الثقافيّ، أسبوعيّاً، على الرغم من المسافة التي تفصلنا عن المدينة، والسيّارة الوحيدة، في رحلتها اليوميّة اليتيمة!
لكنّ تلك اللحظات السعيدة، سرعان ما تتبدّد، وتصدمني قراءة الإعلان من جديد:
(يعلن المركز الثقافيّ في (….) عن إيقاف إعارة الكتب في المكتبة العامّة في الفترة الممتدّة بين (2017-7-1 و2017-8-31 بسبب الجرد)!
ليس اعتراضاً على الجرد، ولا تقليلاً من أهمّيّته وضرورته.. لكن؛ ألا يمكن أن يتمّ هذا الجرد في أوقات أخرى من السنة؟! أليس شهرا الصيف (تمّوز وآب) الوقت المثاليّ لمن يريد أن يقصد المركز الثقافيّ من أجل التزوّد بكتاب، يمضي معه بعضاً من العطلة الصيفيّة؟! أم أنّنا نقضيهما في منتجعات بحريّة أو برّية، داخليّة وخارجيّة؛ بالرغم ممّا نحن فيه؟! أليس الصيف، وهذان الشهران بالذات، ما يناسب معظم الطلّاب المشغولين الأشهر الأخرى في الدراسة والمذاكرات والامتحانات؟! (من دون أن أنسى أنّ طلّاب الشهادات مشغولون بالدورات الخاصّة بها بشكل محموم، منذ نهاية الدوام المدرسيّ؛ وهذا يحتاج إلى بحث آخر)!
ليس هذا الإجراء جديداً، ولا يتحمّل مسؤوليّته المركز الثقافيّ؛ فهو ينفّذ تعليمات وخططاً، يسطّرها من هو أعلى، وأبعد! وأذكر أنّني كتبت في هذا الأمر منذ نحو عقدين؛ لكنّ تغيير الحال من المحال،في الثقافة أيضاً؛ كما يبدو، وليس العكس!
أعرف- وأتابع- أنّ هناك نشاطات، تعدّ للأطفال خلال الصيف، وتقام في المركز الثقافيّ. لكن؛ كيف نمنع عنهم الاستعارة من مكتبة المركز؟! بدل أن تكون هناك محفّزات، ودعوات لهم ولسواهم، من الطلّاب الآخرين؛ ابتداء من الروضة، وحتّى الجامعة؛ للاستفادة ممّا في مكتبة المركز، وقراءة ما أمكن، وإجراء المسابقات في ذلك، ومكافأة المميّزين كتباً وموسوعات، وشهادات، ومادّيّات؟!
إنّ في أولويّات عمل المسوّق المهتمّ ببضاعته، أن يعرض في الأوقات، التي تزيد فيها احتمالات اهتداء الزبائن بما لديه من ضالّتهم؛ ناهيك عن الإعلان والإعلام والتحضير والترغيب والتشويق.. فهل يدلّ مثل هذا السلوك على الاهتمام والهاجس والرؤية والرؤيا؟!.
نحن هنا لا نتحدّث عن فعاليّات أخرى، تقوم بها مؤسّسات ثقافيّة؛ من معارض ثابتة، ومتنقّلة، وحسومات مغرية، وهي تحتاج إلى تغطية إعلاميّة أوسع، إذا ما كانت جدّيّة؛ وتلزمها أضواء أقلّ، حين يكون الإعلام عنها هو المطلوب، أو تسجيلها في جدول الإنجازات؛ فلا أظنّ أنّ نشاطاً، يمكن أن يكون مفيداً ومحفّزاً وذا جدوى، إذا كان سريعاً وعابراً، ويدخل في باب سدّ الذرائع، أو كفاية شرّ المساءلة و(الجرد) ربّما!.
وفي ظلّ الضائقة المادّيّة لدى الغالبيّة التي تقرأ، حتّى مع الحسومات في المعارض، ومع وجود كتب متنوّعة ومهمّة وحديثة، في مكتبات (ومستودعات) المؤسّسات الثقافيّة، ليس في مقدور كثيرين منّا شراؤها، أو شراء كثير منها، ومع انعدام وسائل التكييف، في الظروف الصعبة الراهنة، وقلّة عدد متابعي النشاطات؛ ولا سيّما من الفئة العمريّة الشابّة؛ فإنّ الاستعارة هي الحلّ. وتؤكّد مرويّات القرّاء؛ ومنها تجربتي الشخصيّة، أنّ الكتاب المستعار، يُقرأ أكثر من الكتب المقتناة؛ لأنّ هناك التزاماً بالإعادة في وقت محدّد؛ فيما يُرجأ الكتاب الذي في اليد، إلى وقت الحاجة، أو إلى أجلٍ غير مسمى.
أعود من تفكّري المزمن، المتجدّد،إلى مشهد يملأ ساحة الشعور، تبتسم سطوره وما بينها، وتزدهي كلماته، وتتلألأ حروفه:
يعلن المركز الثقافيّ عن تشريع أبواب مكتبته العامّة،التي تحوي الكنوز الآتية (….)، أمام من يريد القراءة والاستعارة، خلال أشهر الصيف، مع أدلّاء ومساعدين ومشرفين ومحاورين، ونشاطات ثقافيّة نوعيّة، ولقاءات مع أدباء مميّزين، ومسابقات وجوائز وشهادات.. يُختتم بتوزيعها موسم الصيف الثقافيّ.
أرجوكم لا توقظوني من حلمي!