غسان كنفاني باق لم يمت
منذ أيام عرضت إحدى المحطات الفضائية فيلماً توثيقياً لمناسبة ذكرى استشهاد الأديب غسان كنفاني يلخص مراحل حياته، وأدواره بالمقاومة والعمل الصحفي وتجربته الأدبية المنوعة، وصولاً إلى جريمة اغتياله بتفجير سيارته على يد الموساد الإسرائيلي واستشهاده مع ابنة أخته لميس نجم التي كانت تمضي العطلة الصيفية في ضيافته، لكنها لم تعرف أن اسمها سيسجله التاريخ باستشهادها معه، إلى مشاهد جنازته المؤثرة والمفجعة لكل العرب.
الفيلم التوثيقي الذي اتخذ في جانب منه نمط الديكو- دراما بتصوير مشاهد تمثيلية غائمة الملامح لاسيما في مشهد تنفيذ جريمة الاغتيال، اعتمد بالدرجة الأولى على شهادات من أشخاص عاصروا غسان كنفاني وشهدوا على مقاومته وكفاحه رغم إصابته بمرض السكري الذي آلمه وجعله أسير هجماته العنيفة، إلا أنه لم يهدأ ولم يستسلم كان يعمل طوال الوقت، بين الصحافة وكتابة الرواية والمجموعات القصصية والمسرحيات والدراسات، وبقيت روايته “رجال في الشمس” ماثلة بأذهان الجميع لاسيما بعد أن تحوّلت إلى فيلم سينمائي بعنوان “المخدوعون”، لتقابلها الرواية التي تماثلها شهرة “عائد إلى حيفا”، أعمال كنفاني التي ترجمت إلى سبع عشرة لغة وتمّ إخراج بعض مسرحياته على خشبات المسارح وفي البرامج الإذاعية، والتي تنطلق جميعها من فكرة الانتزاع من المكان وأنين ذكريات الطفولة بين أشجار البرتقال، ليبقى هاجسه يدور بين الموت والمنفى ومخيمات اللاجئين الفلسطينيين، وكان المحور الأساسي في الفيلم الحضور الراقي لزوجته السيدة آني هوفا كنفاني مديرة مؤسسة كنفاني.
الفكرة الهامة التي توقفت عندها آني كنفاني هي العمل الصحفي الدؤوب الذي قام به الأديب غسان لاسيما أنه كان الناطق الرسمي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في مقابلته الصحفيين الأجانب من دول الغرب، وشرح تفاصيل القضية الفلسطينية التي غدت قضية كل فلسطيني وعربي شريف، وأثارت مسألة هامة بعد عرض مشهد تمثيل جريمة الاغتيال بأن التحقيقات لم تكن كافية آنذاك، ولو اتخذت الإجراءات المناسبة واستُكملت كما يجب لما تعرض الفلسطينيون لسلسلة من الاغتيالات المتتالية بعد غسان، لتخلص إلى أن الصهاينة لم يتمكنوا من قتله ولن يتمكنوا من قتل كلماته فمازلت كتبه تطبع وتباع رغم مرور ما يقارب نصف قرن على استشهاده.
ذكرى استشهاد غسان كنفاني تزامنت مع الاعتداء الجائر على المسجد الأقصى من قبل الصهاينة، الاعتداء الذي جعل المسلمين والمسيحيين يتضرعون إلى الله لحمايته، وقد كتب المطران عطا الله حنا على صفحته في –الفيس بوك- “القدس مدينة الصلاة والسلام والأخوة والتلاقي بين الإنسان وأخيه الإنسان، القدس مدينة الوحدة الوطنية الإسلامية والمسيحية”، وليوجه نداء إلى العالم لرفع الظلم عن القدس، في هذه الأوقات الصعبة يعود صدى رنين كلمات غسان كنفاني:”إن قضية الموت ليست على الإطلاق قضية الميت إنها قضية الباقين” قضية الشعب الفلسطيني الذي لن يتنازل عن أرضه ومقدساته.
ملده شويكاني