اعـتــيــاد
تمّام علي بركات
صار من المعتاد جدا أن نمرّ بصورة شهيد، قام أحد أحبابه بإنزالها على حائطه الالكتروني، قبل أن تبدأ التعليقات المواسية، -وكم نحن ماهرون في هذا، في التعليقات المواسية فقط!-، لروحه الرحمة، ثم بوست آخر عن سيدة تفرد جسدها كألواح شمسية على الشاطئ، وتدعونا لمشاركتها تلك اللحظة “الخلابة” ومرة أخرى تتراجع صورة الشهيد السابق إلى مكانها، تحت ضغط “لايكات” صورة السيدة المتشمسة، وما من وقت طويل ولا حتى بالقصير نسبيا، سيمرّ قبل أن يتم تعليق عدة صور أخرى لشهيد آخر جاء نبأ استشهاده على جناح الطير، حيث أوصت أنفاسه الأخيرة الأرض حيث كان وجوده على كامل الجغرافية السورية، أن تبقى كريمة على من يحبها، عيناه صافيتان ووجهه يضحك كقمر، -من يدقق في الصور سيرى أنهم جميعا لديهم نفس تلك الابتسامة المنيرة والنظرة المنطفئة-، واحدة على حيطان البيت وكأنها تسنده – أي البيت- وواحدة على حيطان الفيس، ثم بوست آخر مهما كان موضوعه، يأخذ مكانها، وهكذا دواليك وكأنه سباق الصور أيضا بين الحياة والموت في كل مكان حتى هنا، حيث كل شيء افتراضي حتى النخاع وليس افتراضيا أيضا، وما على الملتاع أو المحزون إلا أن يمضي بما ينوء قلبه تحت ثقله وحيدا.
تقول إحدى السيدات اللواتي عانين من أسى الحروب، إن الحياة مع واقع الذكرى الأليمة وبشكل يومي، يحيل القلب إلى رماد والحياة إلى جثة، وقال آخر منهم أيضا، أي جماعة القلوب المكسور ظهرها بالفقد، لا شيء في الدنيا يواسي ولا يساوي، والحزن يومي وكأنه تمرين إجباري لا فكاك منه.
هناك أيضا من لم تمر به الحرب وكأنها تجري في كوكب آخر، ولكنه مستعد للمتاجرة بها تحت أي تسمية، خصوصا “كاتب- مسرحي- سينمائي..وغيرهم” وما على من يستمع إلى ترهات أحاديثهم إلا أن يقول كما يقول المثل الشامي “الحمار نفخ نار”، إلا أن المصيبة كل المصيبة، هي في أولئك الموجودين على أرض الواقع ويعرفون مآلات الحرب، ويعرفون وجعها وماذا حل بالناس، الناس الذين كما هو مفترض أنهم بوصلة هذا المثقف أو ذاك الشاعر ومن لف لفهم، لكنهم غير مستعدين للنطق ولو بكلمة حق واحدة بخصوص من يردّ عنهم الموت، ما يريدونه هو أن تمشي أمورهم بالابتزاز العاطفي حينا والوطني حينا، وهؤلاء كثر، منهم من صار خارج البلاد، واتخذ وضعية المهاجم لسوريته، ومنهم من بقي داخلها، يتمتع بحماية المناطق الآمنة – بفضل الجيش طبعا هي آمنة- لكنه حتى بهذا الفضل لا يعترف، ويسكت عن الحق موصوفا بصفة الساكت عنه دون أن يبالي.
كما صار من المعتاد أيضا أن تتمشى الحرب بيننا وكأنها واحدة منا، وليست بتاتا بالغريب علينا رؤيتها وهي تتسوق فستان من البالة، ثم تركب السرفيس وتمضي حيث تشاء، هذا أيضا صار طبيعيا عندنا، حتى أن منّا من دعاها إلى ليلة حمراء في منزله، لكنها اعتذرت كونها مشغولة جدا هذه الأيام، بالرواية التي تكتبها عن كل هذا الوجع بألوانه السبعة.