ثقافة

مهرجان للحياة

لوردا فوزي

هل من الممكن أن يقرأ المرء كتاباً بينما طبول الموت تدق من حوله؟ وهل له أن يقيم معرضاً للكتاب ورحى الحرب تطحن بلاده؟ قد يبدو الأمر في البداية شيء مستحيل، ومجرد ترف ليس من داع حتى لذكره، لكن مشهد الازدحام الشديد اللافت للنظر على باب مكتبة الأسد الوطنية في دمشق، والذي يسببه الوافدون إلى معرض الكتاب المقام فيها، يجعلك تعلم بأن دمشق مدينة المعجزات وبأن السوريين يحطمون القواعد في كل مرة ويؤمنون بمقولة واحدة هي “لا مستحيل تحت الشمس” وأن القراءة عندهم “ترف لا غنى عنه”، وأن القدر يستجيب للشعوب عندما تريد الحياة، وشعب سورية يعيش الحياة بـ”حلوها ومرها”.

دور نشر عربية وأجنبية، مشاركات واسعة، كتب مترجمة، عناوين جديدة وغنية، لقاءات وحوارات، مثقفون وأدباء ومختصون.. ندوات ثقافية ومهرجانات شعرية، وإقبال جماهيري فاق المتوقع بكثير، جميعها تلاقت في معرض الكتاب السوري لهذا العام الذي ترك بصمة جميلة في المشهد السوري العام، رامياً حجره في ماء القراءة الراكد، ومحركاً الساحة الثقافية بشكل عام وعالم الكتاب وتسويقه بشكل خاص، سيما أن الكتاب الورقي يشهد انحساراً وتراجعاً عالمياً، بالرغم من بعض الشوائب التي تسللت إلى معرض الكتاب، كالحديث عن احتوائه لكتب تمجد شخصيات تركية لعبت دوراً كبيراً ودموياً في الحرب السورية، وعلى الرغم من أنه “لامبرر” لهذا الخرق إلا أنه سرعان ما تم  التعامل مع الأمر من خلال سحب الكتابين من المعرض، وكذلك اعتبر بعض مقتني الكتب أن سعرها غالٍ في بعض دور النشر ولا يتناسب مع الدخل، مع أنه عند  الإطلاع على أسعارها في الدول المجاورة ومقارنتها مع أسعارها في المعرض سوف تجدها فيه أرخص بكثير وخاصة بالنسبة لتكاليفها المادية، مع العلم أن بعض دور النشر وكذلك المؤسسات الثقافية التي تحمل على عاتقها مهمة نشر القراءة قدمت الكتب في المعرض بسعر جماهيري أقرب للمجاني، ولأن المعرض كان كرنفالاً ثقافياً تمنى بعض الفنانين التشكيليين لو كان الفن التشكيلي حاضراً ومرافقاً له.

لا يشكل معرض الكتاب السوري -منذ عودته في العام الماضي- حضوراً ثقافياً فقط، بل هو مهرجان سلام بكل معنى الكلمة، وهو رسالة واعية بطلتها الثقافة التي تجمع كل ما تفرق، وهو بجدارة مهرجان حياة.