اغتصب.. واحصل على زوجة!
فتاة في العشرين من عمرها تلبس فستانها الأبيض الجميل وطرحتها الطويلة الناعمة، تجلس وسط أصدقائها وأحبابها تلفها الزهور من كل مكان والأغاني تملأ القاعة الكبيرة تدعو الجميع للرقص، تقف عروسنا مع حلم حياتها، مع زوجها المستقبلي الذي اتفقت وإياه على كل التفاصيل الصغيرة لهذا اليوم الكبير، ولحياتهما معا مدى العمر ويعيشان في سبات ونبات.. وهنا تنتهي الحدوتة.
كل هذا فراغ كبير وقصص للطفولة والمثاليات المعدومة، هذه الحالة لم تكن إلا خيالات طفلة اعتقدت بأن تمتد الحياة رحبة أمامها، وبأنها ستمتلك السعادة عندما تصبح في مرحلة الزهور، لم تعرف يوما بأن هذا كله سيطوى ليصبح وهما وقصة مكتوبة في روايات الأطفال الصغار.. لم يأت ذلك الفارس على حصانه الأبيض لينقذها، بل أتاها مجرما ستتزوجه خوفا من العار والفضيحة، سيتزوجها لينقذ نفسه من عقوبة الاغتصاب، فقد ضجت صفحات الانترنت وشوارع مدن عدة بحملات مناهضة للقانون الذي يخوّل للجاني بأن ينقذ نفسه من عقوبة الاغتصاب بالزواج من الضحية، ففي إحدى المدن انتشرت أثواب زفاف رثة وملطخة بالدماء معلقة في الهواء مع لوحات تقول: “الاغتصاب لا يغطيه فستاناً أبيض” ونشرت فتاة أخرى مقالا بعنوان “اغتصب واحصل على زوجة مجانا” ولاقت هذه الاحتجاجات أذنا في بعض الدول فألغت الأردن ثم تبعها لبنان المادة القانونية المتعلقة بهذا الجرم، ونتساءل هنا ماذا ننتظر نحن لتلغى هذه المادة ويلاقي المعتدي أقصى أنواع العقوبة؟ إلى متى ستنتهك الأعراض شرعا؟ ألا نستطيع نحن أيضا أن نسير في ركب الدول التي سبقتنا إلى ذلك، ونحن من أقدم الحضارات في العالم؟
لكن السؤال الأكثر أهمية من ذلك كيف استطاع المشرع أن يصيغ قانوناً كهذا؟ ألم يخطر في باله يوما إحساس تلك الضحية؟ هل فكر فقط في مصطلح “العار” المرافق لتلك القضية؟ هل حقا كان همه الشاغل هو أن يستر عليها؟ لكن ما ليس مفهوماً كيف توصل إلى هذا الحل وهو الذي أقل ما يقال عنه بأنه “جهبذ”.
هذا القانون لم يكن فقط من عمل المشرع وحده، بل هو تضافر جهود متحدة مع الأهل الخانعين فقط للعادات والتقاليد الخائفين من الملامة والنظرات إليهم، مرتعدين من فكرة انه لا أحد سيقبل بابنتهم فيما هم غير عابئين بحالتها أو شعورها أبدا. ألم يخطر لذلك المشرع بأن يضع نفسه مكان الضحية أو أن يشعر بشعورها، ألم يرى أنه شرع للمغتصب حلال فعلته، ألم يخطر للأهل أيضا ما هو حجم الرعب الذي سيصل لحد الشلل فقط من ذكر اسم جلادها، لم يفطن هؤلاء ماذا سيحدث إن هي أنجبت كيف ستربي بناتها وتوجههن لينتبهن من أولاد الحرام وستنظر لأبيهن قائلة” “ديروا بالكن من أمثال والدكن”.
مجتمعنا الشريك الخفي في هذه الاتفاقية الظالمة، هذا المجتمع الذي لم ينتبه يوما إلى حكمه القاسي والمفروض سلفا سيدمر قيما كثيرة، آراءه المعدة مسبقا عن الضحية ماذا كانت تفعل الفتاة هناك؟ أين كانت وفي أي وقت؟ مع من كانت؟ ماذا كانت ترتدي؟ لا بد أنها كانت تبتسم أو فعلت شيئا استفزه.
لم يكتف المجتمع بفرض آرائه بل ضمنها في مجموعة عادات وتقاليد، وأعطاها بعدا آخر لتجعل لنفسها سلطة في أن تكون المشرع الرئيس لأغلب مشاكلنا وقضايانا،
لم يشفع لنا كل التقدم والتكنولوجيا، ولا اختصار العالم بقرية صغيرة ولا التعرف على ثقافات الشعوب أمام دمعة ضحية لا ذنب لها إلا أنها أجبرت للامتثال للعادات والتقاليدـ ولأهلها الذين كبلهم الخوف على شرف العائلة وأذعنت لقدرها المشؤوم. كم هو حري بنا أن نخرج من قوقعة الخوف التي رسمناها لأنفسنا، أن ينتفض هذا المجتمع ويمسح غبش الرؤى التي كانت سببا في تخلفه، ويسعى لنشر ثقافة نحن بأمس الحاجة أن نحترم فيها بعضنا ونقدر إنسانية بعضنا الآخر.
علا أحمد