ثقافة

“سليمان العيسى.. شاعر الحلم والطفولة”

علّمنا سليمان العيسى كيف نحب “بابا وماما” وعلّمنا من خلال قصائده أسماء لم نعد نسمعها “باسم ورباب”، لم يكن شعر الطفولة إلا لرجلين الأول أحمد شوقي عندما ترجم لامارتين وقدم شيئاً يستحق، وبقي حتى جاء الشاعر سليمان العيسى وقدم مدرسة ردد الجميع من خلالها “عمي منصور النجار”، كان كل الأطفال ينهون القصيدة باسم سليمان العيسى فاسمه بنظرهم جزء من القصيدة، وعندما علم الشاعر بذلك قال “أنا افرح عندما يتعطر اسمي بوزن القصيدة على لسان طفل”.

سليمان العيسى الطفل والعروبي واللوائي وما شئنا من ألقاب يحملها، هو الشاعر الذي عشنا على أشعاره ويستحق أكثر من تكريم، بهذه المقدمة استهل د. إسماعيل مروة الندوة الثقافية الشهرية التي أقيمت في دار الأسد للثقافة بدمشق وحملت عنوان: “سليمان العيسى.. شاعر الحلم والطفولة”.

قيثارة الطفل والطفولة

ووصف د. دياب الراشد الشاعر العيسى بالعجوز الشاب والشاب العجوز بآن معاً، ذلك الإنسان الذي علّمه درساً لن ينساه، ويعلّم كل من يقرأ شعره قيماً جميلة، وأضاف: لا يمكن أن يغيب سليمان العيسى أبداً فهو حاضر في أذهان الجميع، هذا الإنسان الذي كرّس حياته لقضايا عليا من شعارات وأهداف بدأها بالطفل وأنهاها بالكبير الكبير، لم يهمل أحداً أبداً، أنا دائماً من المحاضرين الذين يتحدثون عن هذا الرجل وأقول أنه يجب أن يقام له نصب في قمة قاسيون وأنطاكيا، لأنه رمز للكثير من القضايا التي حارب من أجلها، فهو لم يتوان يوماً عن المشي على قدميه من مدينة إلى مدينة للاجتماع بمجموعة من الرفاق من أجل النضال السري “كونه من مؤسسي حزب البعث”، وحتى في أيامه الأخيرة لم يهمل واجباته تجاه الأمة والأفراد، واذكر مرة خلال إحدى جلساته مع رفاقه وقع طفل في الماء فحمله وبدأ يضحكه وكأنه هو الكبير وسليمان الصغير، واليوم اعتبرها مناسبة مميزة للحديث عن هذا الرجل العظيم الذي احترم كل المثل العليا.

الأسرة والمرأة

أما المحور الأهم فكان مع زوجة وصديقة الشاعر وأم أولاده د.ملكة أبيض التي تحدثت عن “الأسرة والمرأة” وبدأت بقراءة عدة أبيات من قصيدة “المرأة في شعري” قائلة: هي الجمال في أحلى صوره..

وأبدع تجلياته..

هي نبضة الشعر الأولى…

منذ كان النبض، وكان الشعر

هي التي وضعت الكلمة الجميلة على شفتي أول محب..

فأصبح شاعراً

هي الطفلة التي كبرت..

ومازالت الطفولة والأطفال سرها الأول

ونحن جميعاً أطفالها..

هي مُلهمِة وملهَمة، وعاشقة ومعشوقة..

هي شريكة حياة.. ورفيقة كفاح..

هي الحلمُ.. وهي الواقع في آن

هي القادرة على الحب، لأجل الحب

وعلى العطاء.. لأجل العطاء

ليست ملاكاً.. ولا شيطاناً.. كما يزعمون

إنها الأنثى.. نصف كتاب الحياة

وتطالب د. أبيض دائماً باختلاط الذكور مع الإناث في المدارس، وفي سؤالي لها عن أهمية هذه الندوة للجيل الجديد أجابت: الموضوع الأهم اليوم هو كيفية تعامل الشباب مع النساء سواء كانوا زملاء في المدرسة أو مع المرأة بصورة عامة والتي يجب أن يتعلمها الإنسان منذ الصغر، وهذا ما حرص عليه سليمان العيسى دائماً وكان يكتب عن المرأة في كل كتاب له، بالإضافة إلى كتابه الخاص بالمرأة –الذي طبع مع الأسف في أبو ظبي ولم ينتشر في سورية- ويؤكد فيه العيسى على أهمية التعامل مع المرأة منذ الصغر. وقد ذكرت د. أبيض مثال عن فتيات القرية والعمل المشترك المبني على الاحترام والتقدير مع المرأة، وأكدت أنه من الخطأ إعطاء دروس في مرحلة متقدمة  لتصبح جزءاً من حياتهم.

الشعر القومي

وفي العقود الأخيرة ارتبط اسم سليمان العيسى بالطفولة، ولم يعد الكثيرون يعرفون شيئاً عن البعد القومي الذي حمله في قصائده، هو الرجل الذي آمن بالقومية إيماناً لم يتزعزع وربما الكثير رآه على إحدى الشاشات العربية عندما حاوره مذيع وأساء إلى القومية العربية فوقف ناهياً الحديث، وطلب منه أن يتأدب أثناء الحديث عن القومية، فهو الرجل الذي تغنى بها ولم يبخل عليها بقصائده. وفي محور “الشعر القومي” قال الشاعر نزار بني مرجة:

معظم أشعار سليمان العيسى قومية، فهو شاعرها بامتياز بدواوينه المطبوعة منذ عشرات السنين، بدأ حروفه الأولى في تعليمه في لواء اسكندرون في بلدة النعيرية القريبة من انطاكيا، بدأ مع الفكر القومي ورحل عن عالمنا وهو يتغنى بالقومية، كتب كما هو معروف عن الأطفال وكان الأدب شغله الشاغل وفكرة القومية العربية هي الهدف الذي نذر حياته من أجله. لقد عرف الأقطار العربية مقيماً وليس سائحاً عابراً، وعرفته أجيال تلك الأقطار من خلال قصائده الموجودة في المناهج الدراسية، في الحقيقة، يصعب على المرء أن يتحدث عن هذه التجربة العملاقة التي استمرت قرابة قرن من الزمن لذلك تحتاج هذه المسألة إلى كتب ومجلدات.

جمان بركات