ثقافة

وضاح رجب باشا يستحضر مسيرة كارم محمود الفنية

لُقب الموسيقي والأكاديمي كارم محمود بالكروان الطيب الذي اتصف بعزفه الشجي على العود، أدخل إيقاع الحركة على الجملة الموسيقية الشرقية فمنحها لوناً جديداً، وتميّز بصوته الحاد مما جعله بطلاً بأشهر الأوبريتات في موسيقا الزمن الجميل، إضافة إلى خوضه تجربة التمثيل في الأفلام الكلاسيكية المبنية على المشهد الغنائي الاستعراضي، كل هذه المحاور تضمنتها المحاضرة التي ألقاها الباحث وضاح رجب باشا في ثقافي أبي رمانة بعنوان” المطرب كارم محمود – حياة وفنّ” حيث أن الأفلام الغنائية أخذت مساحة كبيرة من المحاضرة وشدت الحاضرين إليها مما فتح المجال للتطرق إلى سمات الفيلم الكلاسيكي السينمائي الغنائي، كما حلل الباحث طبقات الصوت عند الرجال لإيضاح خصوصية طبقة صوته- التينور-وانسحب النقاش على المقارنة بين الموسيقا الشرقية والغربية القائمة على الإبهار.

عرض الباحث تقاسيم على العود عزفها كارم محمود على مقام الرصد شديد الطربية تتبعها الآهات والليالي بصوته الحاد، ثم أورد لمحة عن حياته(1922-1995) وتطرق إلى دراسته الموسيقا في القاهرة، فتعلم قراءة النوتة الموسيقية وحافظ على الروح الشرقية بعزفه على العود والتزم بقواعد الموسيقا الشرقية والتطريب ولم يحاول إدخال التكنيك الغربي، ومن ثم عمله بالإذاعة والتلحين والسينما ومشاركته بفنّ الأوبريت مثل أوبريت “ليلة من ألف ليلة”، و”العشرة الطيبة”، والتحق بفرقة الأنغام الذهبية وتدرب على غناء التراث.

نقاء صوته

وحلل المحاضر خاصية نقاء صوته وطبقته الحادة – تينور- وهي أعلى طبقة بعد الباص والباريتون، ونوّه إلى أهمية تمكن المطرب من حنجرته ومن توظيف قوة الصوت وكارم محمود كان حالة فريدة إذ حافظ على قوة صوته وقدرته على التفريد والإبداع حتى قبل سنة من وفاته. والفكرة الهامة التي تناولها الباحث والتي كانت أحد عناصر نجاح مسيرته هي حفظه للقرآن الكريم ونطقه مخارج الحروف بشكل صحيح.

وتابع الباحث بأنه بدأ بترتيل القرآن الكريم وبفنّ الإنشاد الديني، وغنى القصيدة والطقطوقة والآهات والموال الشعبي والأغنيات الوطنية، ودخل عوالم الأغنية الخفيفة في السنوات الأخيرة من حياته ليواكب موجة المعاصرة الفنية، وبقيت أغنياته الشهيرة هي الطاغية مثل “عنابي وأمانة عليك يا ليل طول والنبي ياجميل”، إضافة إلى مشغول عليك مشغول ألحان أحمد صدقي وكلمات فتحي قورة ثم عرض الباحث مقطعاً من فيديو لحفلة خاصة غنى فيها “على شط بحر الهوى رسيت مراكبنا” التي لحنها محمود الشريف كلمات علي الشيرازي، بمشاركة آلة الأكورديون مع الفرقة وحضور القانون، ليصل الباحث إلى أن كارم محمود جمع بين العزف على العود والغناء دون أن يطغى صوت الآلة على صوته فعرف تفاصيل الجملة الموسيقية متى يعلو صوته ومتى يكون مرافقاً لها، في حين أن بعض العازفين يطغى صوت الآلة على صوتهم ولاتتضح خصائص الصوت.

وفي مرحلة التسعينيات تفاعل كارم محمود مع موجة الأغنية الخفيفة فعرض الباحث أغنية” ايديتك عمري كله” التي تميزت بمقدمة موسيقية على إيقاع راقص وبتعدد المستويات الموسيقية والكلمات البسيطة.

المشهد الغنائي الراقص

وفي مجال التمثيل شارك كارم محمود بثلاث مسرحيات وخمسة وعشرين فيلماً منها، يا حلاوة الحب، فايق ورايق، عيني بترف، ليتحدث الباحث عن خصوصية الأفلام الكلاسيكية السينمائية الغنائية التي ظهرت في خمسينيات وستينيات القرن الماضي واعتمدت على المشهد الغنائي لانتشار الفيلم مثل أفلام فريد الأطرش وعبد الحليم حافظ وشادية وغيرهم، وإدخال الرقص الشرقي كعنصر أساسي ليأخذ في بعض الأفلام مشهد الرقص الجماعي بإشراك الراقصة الأساسية (الصوليست) مع بقية الراقصات، وحلل عناصر القصة المتشابهة من حيث قصة الحبّ والفراق والغيرة والخيانة والجريمة أحياناً، وتوظيف عنصري الإثارة والأكشن، وقد بُني دوره في البداية على الأداء الغنائي ومن ثم تعمق بتجربة التمثيل وبتقديم الديتو الغنائي والغناء بمرافقة المشهد الاستعراضي الراقص.

وعرض مقتطفات متتابعة من فيلم “نور عيوني” سيناريو وإخراج حسين فوزي الذي يدور حول قصة حبّ بين نور العيون وعادل –كارم محمود- بالاشتراك مع نعيمة عاكف ومحمود المليجي وحسن فايق ومونا فؤاد، وتمضي أحداث الفيلم بين الفوارق الطبقية والوصول إلى الشهرة واللقاءات العاطفية وغرام الخيول وإثارة وتدبير المكائد لينتصر الحبّ في النهاية، والملفت في الفيلم الذي استحوذ على إعجاب الحاضرين وأعادهم إلى جمالية السينما الكلاسيكية استخدام الآلات الموسيقية بالديكور كخلفية وإشراك الراقصة مع أوتار العود والقانون.

وأنهى الباحث المحاضرة بالحديث عن مرحلة مرضه وإصابته بأزمة قلبية متكررة، فسافر إثر ذلك إلى لندن إلا أن الأقدار شاءت أن يتوفى هناك ونقل جثمانه إلى القاهرة، وانتهت مسيرة فنان أثرى الموسيقا الشرقية بألحانه وصوته والمشهد السينمائي بأفلامه.

ملده شويكاني