حارة نجيب محفوظ
قدري أنني ولدت في بيت أجمل ما فيه الكتب فمنذ صغري أحببتها وأدمنت القراءة، سألني مرة أحد الأصدقاء هل قرأتِ لنجيب محفوظ؟ ترددت في البداية فأنا بكل أسف لم أكن قد قرأت له الكثير، فأجاب صديقي معاتباً خسارة أنك لم تقرئي روائعه الكثيرة.
انطلاقاً من هذه المعاتبة أعترف بالتقصير لكنني أعلم الضجة التي أثيرت حول رائعته “أولاد حارتنا” والتي أعطتني دافعاً لاستكشافها، تلك الرواية المتشابكة والمتنوعة كما هي الحياة، ولكن المؤسف كيف انبرت جيوش الظلام فاعتبرته كاتباً ملحداً فاسقاً غير عابئ بالمقدسات، حتى أنه تعرض لمحاولة اغتيال، لكن الطريف في الأمر أن من فكر بالقتل عندما سُئل لماذا يفعل ذلك وهل قرأ شيئاً للروائي تبين أنه أمي لا يقرأ.
إذا نظرنا للرواية من الناحية الأدبية دون التعرض للمرجعية التاريخية والدينية، مع العلم أن هذه النظرة لا يمكن أن تتحقق إطلاقاً خاصة مع الدلائل التي تثبت غاية ومقصد الكاتب نفسه لهذه الإشارات سنجد أن الرواية تحفة أدبية تصف صراع الناس مع الظلم وكرههم له، وفي المقابل تجبر وتمسك الظالمين بملكهم وجشعهم الدائم إلى الزيادة، تصف “الحدوتة” توق الإنسان وحاجته الدؤوبة إلى الدين حيث أنه مخرج الشعوب وطوقهم نحو النجاة، كما تصف أيضاً حاجة الإنسان إلى ملذات ومتاع الدنيا وما سيفعله للحصول عليها.
لن أناقش الرواية فللنقاد كتب كثيرة أغنوا المكتبة العربية بأعمالهم وتحليلهم عنها، لكن الذي أقف عنده هو: هل يستحق رجل مثله أن يوصف بالكفر والزندقة؟ ألم يستطع أحد أن يرى أو يحاول أن يشفع له بمبرر بسيط؟ ما قيمة العمل الأدبي إذا لم يسهم في رفع مستوى الثقافة عند الشعوب، أو إذا لم يستطيع أن يمتلك التأثير المطلوب ليجعلنا نتوقف عنده ونرى مدى تطابقه مع الثوابت والقيم في مجتمعنا؟.
ما نعرفه حقاً هو أن الرجل عارفٌ بدينه، وعالمٌ بأحكامه، والأهم من ذلك أنه إنسان مؤمن وضع للناس ما رآه في الدين وما أراد للناس أن تتعلمه وتظهر جلية في إحدى الجمل في الرواية “ما أعرف أولاد حارتنا بالحكايات، فما بالهم لا يعتبرون”. يجب أن ندرك الفرق بين الرواية والكتاب، فالرواية هي عرض لأفكار الكاتب وخياله، أما الكتاب فهو تأريخ لأحداث تمت بالفعل.
جسّد محفوظ في أعماله حياة الطبقة المتوسطة في أحياء القاهرة، فعبر عن همومها وأحلامها، وعكس قلقها وتوجساتها حيال القضايا المصيرية. كما صور حياة الأسرة المصرية في علاقاتها الداخلية وامتداد هذه العلاقات في المجتمع.
كتب عددا من السيناريوهات للسينما، منها: “بداية ونهاية” و”الثلاثية” و”ثرثرة فوق النيل” و”اللص والكلاب” و”الطريق”. وصدر له ما يقارب الخمسين مؤلفا من الروايات والمجموعات القصصية، ترجمت معظم أعماله إلى 33 لغة في العالم، من أشهر رواياته:”ثلاثية القاهرة: بين القصرين، قصر الشوق، السكرية”-“ملحمة الحرافيش”- “ثلاثية مصر القديمة: عبث الأقدار، رادوبيس، كفاح طيبة”- “خان الخليلي”- “ثرثرة فوق النيل”.
علا أحمد