ثقافة

“داخل متاهة غريزلي” إثارة المتلقي بالمواجهة الصادمة

مشهد الدب الأشيب المحاط بالنيران المشتعلة في متاهة غريزلي في غابات آلاسكا في الجزء المتاخم لشاطئ البحر وعلى مقربة من القارب، جعل المشاهدين يعتقدون أنه مشهد النهاية إلا أن المخرج ديفيد هاكل يفاجئنا بشيء مخيف بهيجان الدب وخروجه من دائرة الاحتراق للهجوم من جديد.

“داخل متاهة غريزلي”، فيلم الإثارة والتشويق والرعب والمفاجآت، سيناريو جاي موشيه، بطولة توماس جين وبيلي يوب تورنتون، وسكوت جلين، وجيمس مارسدن، والذي عُرض ضمن مهرجان أفلام حديثة جداً في الأوبرا، يترك بعد المشهد الأخير تساؤلات واستفسارات من قبل المتلقي عن الآلية السينمائية التي اشتغل عليها المخرج في تصوير الفيلم الذي بُني على اللقطة الطويلة وتواصل حركة الكاميرا مع تحركات الشخوص الأربعة أبطال الفيلم وتوغلهم بالمتاهة، مما شدّ انتباه المشاهدين إلى مجريات الفيلم، لتتوقف الكاميرا عند مشاهد المواجهة بين الدب الأشيب وأحد الأبطال في أماكن مختلفة وبمطاردة ارتبطت بجغرافية المتاهة.

ورغم أن المحور الأساسي للفيلم هو الانتقام من الدب الأشيب وقتله، إلا أن المخرج أثناء المضي بعوالم المتاهة يمرر مكاشفات واعترافات تفتح خطوط مشاعر وجدانية مثل عودة العلاقة الأخوية بين روان وبيكت التي توقفت سبع سنوات، والحنين إلى أراضي آلاسكا التي ارتبطت بطفولة روان بطل الفيلم ووصفها  بأراضي أبي، واعترافه بتورطه مع عمليات تهريب لبلاد الهند للحصول على المال وإنقاذ أمه من الموت لكنه وجد نفسه في أسوار السجن، وفي الوقت ذاته تطرق المخرج إلى مسألة تنقل الصيادين غير الشرعيين -كما تردد اسمهم في الفيلم- داخل المتاهة التي تودي إلى العنف وقتل بعضهم، واقترب أكثر من القضايا الاجتماعية ومن الانحرافات الأخلاقية بمشهد تعرض روان لإغراء إحداهن مقابل المال، ليثير المخرج مسألة الدعارة الموجهة من قبل صديق الفتاة وقد تكررت هذه المسألة في عدد من الأفلام العالمية. وبقي التساؤل الأكبر عن اللقطة المركبة لتنفيذ مشهد افتراس الدب أحد الصيادين أو أحد أفراد فريق الأمن المكلفين بقتل الدب، لاسيما أن المخرج استخدم  هنا تقنية تسريع الكاميرا واهتزاز الصورة وضبابيتها، كما اعتمد في لحظات اقتراب الدب من أحد الشخوص على المؤثرات الصوتية خاصة صوت الدب ووقع خطواته الثقيلة التي تزامنت مع وقع الموسيقا الحادة بتدرجات تصاعدية، وليزيد المخرج من الخوف والإثارة وظّف دور ميشيل الصحفية المصورّة المولعة بأبحاث البيئة الطبيعية الصماء زوجة بيكت في بداية الفيلم بمشهد مواجهة الدب الأشيب لها واقترابه منها على بعد خطوة دون أن تسمع خطواته، إلا أنها تشعر بصمت قاتل يحيط بها لإثارة الرعب، لكن الأمر المؤثر هو تمكن الدب من افتراس دوغلاس المرشد الذي وصف بالدب الذكي وتعقبه سنوات طويلة لقتله.

ترك المخرج مساحة كبيرة لتصوّر الكاميرا فضاءات المتاهة من زوايا مختلفة بتلون الإضاءة الصباحية والمسائية، تضمنتها حركية اللقطة والتصوير من الأعلى في مواضع معينة، واعتمد على إظهار الدم بصورة واضحة لتوظيف اللون الأحمر وتأثيره بالمتلقي وفي الوقت ذاته بالتركيز على اقتطاع جزء من الجسد إيماءة إلى افتراس الدب الأشيب أحد الشخوص، لتعترض هذه الأشلاء طريق الفريق في المتاهة، ليصل المخرج إلى اللقطة الحرجة بإظهار دوغلاس وهو يضغط على الزناد على بعد خطوة من الدب لكن البندقية فرغت من الطلقات فينقض عليه الدب. ليربح في النهاية الشخوص الأربعة روان وحبيبته وبيكت وزوجته وينجح روان بقتل الدب بالفأس بعد معركة عنيفة على الشاطئ. ربما يتقاطع فيلم داخل متاهة غريزلي مع بعض الأفلام العالمية التي جسدت المواجهة بين الدب والإنسان ولكن تبقى لكل فيلم جمالية المعالجة الدرامية وأسلوبية المخرج بالإثارة.

ملده شويكاني