وداع حفيدة..
لا أملك إلا المغادرة يا صغيرتي.. كم لمستك وشممت رائحة جسدك النحيل.. وعبثت بشعرك الغوغائي المجعد.. وفي ثنايا هذه الملامسة لابد من الرحيل..
صغيرتي أشبعتك حباً وشغفاً وتوحداً، إلى أن غدوت كذلك أيضاً، أتخافين الفراق رغم نعومة أظفارك…؟
لا تنامي ولا تأمني نومي وحيدة، خوفاً من صدمة الاستيقاظ وتغلغل سيولة الفقدان بعدم لقياي..
كم كبرت مشبعةً بمعاني الرقة والحب.. صغيرة الزمن أنت ولكنك كبيرة الحب.. دعي شيئاً للمستقبل.. مفعمة أنت يا صغيرتي, عميقة، وهل يوازي هذا الحب ما سينتظرك مستقبلاً؟ من سيتحدث إليك عن البيت الخشبي, ومن سيعايش ليلاً مخيلتك المليئة بالعمل والدهشة والحوار..؟ وأين سيذهب الحطاب الآن ومعه ابنته وأمها في قصتنا..؟
ستقرئين يوماً، وستعودين إلى ذاكرتك التي امتلأت خيالاً وتأملاً، وستجدين إجابات عن أسئلتك الكثيفة والتي أجبتك عن بعض منها، وبعض آخر أوقعك وأوقعني في صراع الفهم وعدمه، وتعيدين الأسئلة يا حبيبتي حول ما لم يتم فهمه لصغر سنك.
كنت أعلم متى تفهمين إجاباتي, وأتجاهل منها ما قد اقترب من شعور الثقل في لساني عندما ترتمي أجفاني.. وتقومين بنكزي مرات متعددة لأصحو وأعلم أنني أدخلت عبارات غير مناسبة لمسار قصتنا.. وأنام وتنامين، ولدي أمل في الصباح لأرى النور من جديد يتدافع من وجهك، لكن هذه الرؤى محدودة متناهية، حيث لابد من الفراق.. لم تكن قصصي منسوجة إلا من واقع حي سابق مخزن، أستمد منه بعلم أو بدون علم، وأعلم حقائق كانت في سبات عندما تتصاعد الذكريات متداعية، كل قصة ارتبطت بحالة حياتية فاعلة عمرها الكثير.. لكنها حجرية، صلبة، متينة.. وستعلمين أن بطلة قصتنا مريومة النشيطة ابنة الحطاب، والتي تبحثين عنها في الغابات المصورة في عدستنا، ستجدينها في ذاتك، وستعلمين أن الحطاب المقاوم للثعالب هو رمز لمعاني القوة والعمل ورفض الخضوع، أكثر من الصياد الذي ترجل ورحل! وقد نالت الأمطار في الليل الدامس ونال بها الحطاب عشقاً..
أما الجدة.. ففي جوهر عينيها رموز عطاء مطلق لا مثيل له، وكيف لا؟ وقد احتوت الأزمان الثلاثة.. وتذكري الكرة الزرقاء، ووقوفي إلى جانبك كم كان تفوقاً، وفهمك في خداع اللعب لذة وسعادة لك، حيث لغة خطف الكرة تغلف لعبتنا وتؤجج ضحكتنا، وأنسيك وألهيك وأخطف بقولي فكّري يا صغيرتي.. وعندما تسألين عن جدي.. هذا لأنك قد اختبرت هذا المعنى.. كنت أقول لك قد مات.. وتومين لي.. وهل إيماءاتك تعني أنك فهمت؟
حاورتك إلى أن بدأتِ تفهمين الماضي الذي احتوى جدي وجدتي، وأمي وأبي، فقد تكررت تساؤلاتك يا صغيرتي حولهم، هذا يعني أنك بدأت فهم حدود الماضي ومحتوياته كيفاً، لتمتطي ناصية أخرى وتمتصي من معاني هذا الماضي الرهيب، عمقاً ولغة مجردة.. وتذهبين للبعيد.. تذهبين.. أما اليوم فقد شدت يدك على يدي، رافضة.. باكية.. في حضن أمك.. آه.. ولكن لا أملك غير ذلك يا حبيبتي..
د. ناهد سعود