وضاح رجب باشا يحلل مقاطع أغنية سيرة الحبّ لأم كلثوم
هل الحبّ يظلم ويؤلم؟ هذا السؤال الذي وجهه الباحث وضاح رجب باشا للحاضرين لنعرف إجابته من خلال أغنية أم كلثوم “سيرة الحبّ” التي حلل أبعادها وتوقف عند إبداع بليغ حمدي بالتنقل بين مقامات جملها اللحنية في محاضرة بعنوان”العاطفة والتعبير في أغنية سيرة الحبّ لأم كلثوم”، التي غنتها عام 1964بصوتها القوي وقدرتها التعبيرية اللافتة، ليخلص الباحث مع الحاضرين إلى أن أم كلثوم غنت للحبّ بمفهومه الجمالي المطلق الذي لايظلم ولايؤلم ولا يدمر، وإلى أنشودته الجميلة بعيداً عن أخطاء من يرسم أحرفها ونغماتها، وإلى أن أم كلثوم امتلكت موهبة التعبير والإقناع بالكلمة.
استهل الباحث باشا المحاضرة باستضافة الشاعرة إيمان موصللي فألقت كلمات الأغنية شعراً، ومنذ الدقائق الأولى شدّ الباحث الحاضرين إلى زمن الموسيقا الجميل بعرض مقطع من فيديو للشاعر الغنائي مرسي جميل عزيز، الذي كان متخوفاً من لقاء كوكب الشرق فقدم لها ثلاث أغنيات لتختار واحدة، لكنها أعجبت بالأغنيات الثلاث، وغدت (فات الميعاد، وسيرة الحب، وألف ليلة وليلة) من روائع كلاسيكيات الغناء العربي، وجميعها من ألحان بليغ حمدي. ليتابع الباحث حديثه عن شاعر الألف أغنية مرسي عزيز، وكان أغلبها من المنولوج باللهجة المصرية، ولقب ب”جوهرجي الكلمة”، غنت كلماته صباح ووردة ونجاة الصغيرة وفيروز ومحرم فؤاد ، وغنى له عبد الحليم حافظ خمساً وثلاثين أغنية، منها يا خلي القلب أبو عيون جريئة، وتوقف الباحث عند فكرة هامة بأن الشاعر عزيز أراد أن يبقى مع المطربين الذين شغلوا المرتبة الثانية بعد أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب رغم أن كلماته غنتها أم كلثوم.
ثم عرض مقتطفات من فيديو سيرة الحب، وبدأ بالحديث عن المقدمة الموسيقية الطربية التي سبقت الأغنية من مقام الهزام القائم على درجة الربع وأوضح بأن الملحن بليغ حمدي لم يخرج عن المقامات التي ضمن هذه الدرجة، فبدأت بصولو الأكورديون الآلة الغربية التي أدخلها بليغ حمدي إلى الفرقة على غرار محمد عبد الوهاب الذي أدخل الغيتار في أغنية أنت عمري، ضمن مواكبة العصر في إطار إدخال الآلات الغربية إلى تشكيل الفرقة في مرحلة الستينيات، إلا أنه لم يجعلها تتفرد وحدها وإنما دمجها مع صولو آلة الكمان، الفكرة الثانية التي توقف عندها الباحث هي عظمة الموسيقيين في فرقة أم كلثوم، محمد قصبجي على العود، أحمد الحفناوي على الكمان، والناي سيد سالم، وهم من أشهر العازفين، لتدخل أم كلثوم بهدوء للمقطع الأول “طول عمري بخاف من الحب وسيرة الحب”، ليتضح تفاعلها مع الكلمة واللحن في”ما عرفتش أزاي أنا حبيتك” فركز الباحث على براعة الملحن باللوازم الموسيقية المتناغمة مع الكلمات، وإلى التعبيرية القوية لأم كلثوم وقدرتها على إقناع الجمهور والمستمعين بأنها عاشقة تسرد حكايتها مع العشق، وإلى ابتسامتها التي شدت الجمهور إلى معاني المفردات، ونظرة الفرح الهائمة في عينيها والتي عدّها الباحث عنصراً هاماً لتفاعل الجمهور معها، إضافة إلى تغيير ملامح وجهها من الحزن إلى الفرح، وفي إعادة المقطع الأول يتنقل بليغ حمدي بين مقام الحجاز والبيات ليعود إلى الهزام وبدا دور القانون الواضح.
التقطيع الموسيقي
وفي المقطع الثاني تزاد حدة الكلمات واللحن في “يللي ظلمتوا الحب” ويشارك اللحن إجابة أم كلثوم عن سؤال الباحث “العيب فيكم يا في حبايبكم” فينتقل الملحن إلى مقام النهاوند ومن ثم العجم والبيات ويعود إلى المقام الأول، تتبع اللحن آهات أم كلثوم في تعبيراتها عن حالة العشق التي جعلتها ترى الحياة كلها جميلة، واعتمد الملحن على الصولو ذاته للأكورديون والكمان في إجابتها “يا سلام ع الدنيا وحلاوتها في عين العشاق” وكأنها توصل رسالتها إلى العشاق بأن “لاتنسبوا أخطاءَكم إلى الحبّ”.
وبرأي الباحث وصلت أم كلثوم إلى قمة التعبيرية في المقطع الأخير حينما غنت”يااللي مليت بالحب حياتي أهدي حياتي إليك” ليدخل بليغ حمدي فنية التقطيع الموسيقي ب”روحي.. عقلي.. حبي”و يتضح التقطيع بمستوى لحني أقوى في صوتك.. نظراتك..همساتك..، وينهي الملحن الأغنية بمقام الراست”ما بقولش في حبك غير الله الله يا حبيبي” ويبقى الحبّ وتبقى أم كلثوم خالدة على مرّ الزمن.
ملده شويكاني