ثقافة

“الترجمة في سورية.. مشكلات وحلول” في مكتبة الأسد بدمشق

الترجمة ضرورة لتحقيق التفاعل والتواصل المعرفي بين الأمم، وهي الجسر الذي تنتقل عبره المعارف الإنسانية من حضارة إلى أخرى، فلا يوجد حضارة إلا ونهلت من التراث الإنساني العام. وبمناسبة اليوم العالمي للترجمة أقامت في الأمس الهيئة العامة للكتاب ندوة بعنوان “الترجمة في سورية.. مشكلات وحلول” بالتعاون مع اتحاد الكتاب العرب وجامعة دمشق –المعهد العالي للترجمة، واتحاد الناشرين السوريين، ومؤسسات الترجمة الخاصة، وافتتح الأستاذ حسام الدين خضور الندوة بتوجيه رسالة إلى كل المترجمين قائلاً:

تعني الترجمة التنوع اللغوي والثقافي، ومن هذا المنطلق يضم المترجمون السوريون صوتهم إلى صوت الفيدرالية الدولية للمترجمين الداعي إلى حماية هذا التنوع. ففي عالمنا الرقمي، غالباً ما يسوّق المنتج في العديد من البلدان، وتتدفق المعلومات عبر الحدود الوطنية، والترجمة مطالبة بالربط بين الرغبة في الوصول والحفاظ على التنوع الثقافي الذي يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالتنوع اللغوي، وإن فقدان اللغة يعني فقدان جزء من الهوية الثقافية، وأهمية الترجمة للحفاظ على هذه الثقافة.

واقع وآفاق الترجمة

في الجلسة الأولى التي أدارها الأديب مالك صقور تحدث الأستاذ حسام الدين خضور -نيابة عن د.لبانة مشوح- حول الترجمة في سورية “مشكلات وآفاق” قائلاً: في المكتبات ومعارض الكتب مئات العناوين لكتب مترجمة، تجذبنا العناوين تغرينا الأسعار فيخال المرء أن حركة الترجمة في سورية بألف خير، لكننا نفاجأ في كثير من الأحيان بتفكك المضمون وركاكة الأسلوب، ونصدم أحيانا بأخطاء ترجمية تتراوح في شدتها بين الافتقار إلى الدقة والتحوير والتشويه، فهل السبب يعود إلى تسرع المترجم واستسهاله العمل، أم إلى ضعف كفاءته اللغوية والمعرفية، أم إلى الجهل بأصول الترجمة ومبادئها ونظرياتها؟

من خلال هذه الأسئلة توقف المحاضر عند مشكلات الترجمة في سورية وصنفها ضمن فئتين رئيستين: مشكلات معرفية، ومشكلات تنظيمية تكبّل المترجم وتقف حجر عثرة أمام ازدهار الترجمة، لكن المشكلات المعرفية تبقى الأشد والأدهى، فالترجمة عمل تواصلي بين لغتين وثقافتين. ولابد من النظر ملياً إلى مشكلات عملية التأهيل اللغوي التي تندرج ضمن مهام المؤسسات التعليمية، وانطلاقاً من الحاجة إلى مترجمين أحدثت جامعة دمشق عام2005 المعهد العالي للترجمة والترجمة الفورية مختصة في تأهيل المترجمين في شتى فروع الترجمة، يخضع المتقدمون من خلاله إلى اختباري قبول: تحريري وشفهي.

وأضاف خضور: هناك عدد من الإجراءات التي يمكن أن تنهض بواقع الترجمة في سورية تهدف إلى رفع مستوى تعليم اللغات الأجنبية وذات صلة بآليات تأهيل المترجمين، يهدف بعضها إلى إيجاد الإطار القانوني والمهني لتنظيم مهنة المترجم وحفظ حقوقه، ويمكن صياغتها بعدد من التوصيات مثل إيلاء تعليم اللغات الأجنبية في سورية الأهمية التي تستحق، والعمل على تأمين مدرسين أكفاء وتدارك النقص في أعدادهم، وإعادة النظر في آليات ومعايير قبول الطلاب في أقسام اللغة، والعمل على تعديل المناهج الجامعية في أقسام الآداب واللغات الأجنبية، والحرص على اللجوء إلى خبراء لتدقيق الترجمات وتقويمها وفق مناهج دقيقة.

ترجمات تضعف اللغة

أما د.ثائر زين الدين فطالب أن تتبنى الحكومة السورية مشروع دار تسمى “دار المعرفة” على غرار دار الحكمة التي أطلقت في بغداد ونهضت بمهمات الترجمة، وأشار إلى دور الترجمة في تطوير الشعر العربي، فقد نقلت حركة الترجمة العربية روائع الأدب العالمي، مما سهل للمبدع العربي قراءة أعمال العباقرة، والفضل هنا يعود للمترجم الذي ننسى غالباً اسمه، ونتذكر اسم المؤلف فقط. واليوم، بدأنا نقرأ عشرات الترجمات التي تصدى لها أشخاص لايعرفون لغتهم الأم جيداً، ربما كان بعضهم يتقن لغة النص الأصلية، لكنه ينبري للترجمة ظناً منه أن ذلك يكفي، وهو من قبل لم يكتب في حياته نصاً أدبياً أو خاطرة أو رسالة ذات سوية أدبية عالية، وفي ظل اندفاع القراء نحو الأعمال المترجمة ولاسيما الروايات والقصص التي نلاحظ أنها مرغوبة من أجيال القراء الشباب أكثر من الأعمال الإبداعية المكتوبة أصلاً بالعربية، يفسد هؤلاء المترجمون لغة القارئ، وقد يتعدى الأمر ذلك إلى إيهام الكثير من أصحاب المواهب والإمكانيات الضعيفة أن اللغة التي بين أيديهم هي لغة الرواية الحقيقية، ولغة القصة الصافية، فيتصدون لفعل الكتابة الإبداعية وجعبتهم فارغة إلا من الركاكة والضعف.

الصين بوابة ثقافية

من جهته أكد الأستاذ هيثم الحافظ رئيس اتحاد الناشرين على أهمية اللغات الأخرى حيث اعتاد المترجمون على الترجمة من اللغات المشهورة كالانكليزية والفرنسية أو الاسبانية إلى اللغة العربية، ولم يعتد المترجمون على نشر ثقافات الدول الأخرى كاللغة الصينية والهندية والكورية وحتى اللغة التركية. حيث تشهد الصين اليوم تطوراً هائلاً على كافة الأًصعدة، ولكن هناك صعوبة أمام المترجم والناشر العربي لصعوبة لغتها وعدم انتشارها على الرغم من غنى الأدب الصيني، فهو أشهر وأعرق الآداب في العالم، وخاصة في مجال الشباب، فالصين تدعم بقوة التواصل المباشر مع الثقافة العربية، وتسعى إلى توضيح صورتها للقارئ العربي الذي كان يعرفها فقط عبر ما يقدمه الإعلام الغربي، كما تطمح إلى نشر الكتب الصينية باللغة العربية فتشارك في المعارض العربية “حتى يكون النقل مباشرة من الكاتب الصيني إلى القارئ العربي”.

الترجمة العلمية

وتتعاظم أهمية الترجمة العلمية يوماً بعد يوم، نتيجة للتطور السريع في المجال العلمي والتقني فأصبحت ضرورة ملحة لا غنى عنها، وقد أصبح من الضروري تكثيف جهود الترجمة العلمية لتهيئة مجتمعاتنا العربية للدخول في عالم المعرفة والعلم، وفي هذا الخصوص تحدثت د.خزامى الجمّال عن تحديات وحلول للترجمة العلمية بعد تقديم لمحة تاريخية عن الترجمة العلمية فقالت: بدأت تحديات الترجمة بتدريس الطب في سورية باللغة العربية كخطوة رائدة ومنفردة في العالم العربي، حيث قام الأطباء السوريون ببذل جهد كبير من أجل تعريب العلوم الطبية، معتبرين أن اللغة مكون أساسي من مكونات الهوية الوطنية وأحد مقومات سيادة الدولة. وقد تصدى الأساتذة السوريون لكل تحديات الترجمة العلمية التي هي من أصعب أنواع الترجمة، لارتباطها بمصطلحات علمية تخصصية لا يوجد لها مرادف في البناء اللغوي التقليدي، كما أن النص العلمي هو نص عن حقائق علمية محددة ومجردة مما يتطلب نقل محتواه نقلاً أميناً دقيقاً دون أي تعديل، مع مراعاة الصياغة اللغوية المتماسكة والتي تساعد على فهم المعنى، ومن أهم التحديات التي تواجه المترجم العربي في مجال العلوم هو تباين المصطلحات العلمية الطبية بين أقطار الوطن العربي، وتعدد المرادفات للمصطلح العلمي الواحد، مما يسبب حالة من التشتت في فهم المعنى، بالإضافة إلى عدم وجود هيئة عليا فاعلة لتوحيد المصطلحات العلمية لديها السلطة لإلزام المختصين بالتقيد بالمصطلح العلمي، ونقص في عدد الكتب والمراجع المترجمة للغة العربية في المجالات العلمية والمترجمين المؤهلين في المجال العلمي.

وذكرت د.خزامى بأن المترجم يجب أن يكون متمكناً ومتدرباً جيداً في مجال اختصاصه حتى يتمكن من فهم المادة العلمية، ومن الضروري أن يكون ملماً بثقافة البلاد التي يترجم لغتها. وقدمت عدة حلول منها إنشاء معاهد لتأهيل المترجمين العلميين المختصين، وضرورة التعاون بين منظومة الترجمة وقطاع التربية والإعلام، وتقديم كافة التسهيلات من قبل الدولة لعملية الترجمة، واعتماد وزارة التربية والتعليم برامج ودورات تقوية مكثفة، وتكليف طلاب الطب بترجمة نصوص علمية ومؤلف طبي.

جمان بركات- علا أحمد