ثقافة

السوريون.. لا خوف عليهم

تمّام علي بركات
أكثر من تسعين دقيقة والأدرينالين لم ينخفض منسوبه في دماء السوريين، مع كل طيران لتلك المستديرة التي كانت القلوب تطير مع دورانها في فضاء المربع الأخضر، وإذ نقول السوريون، فنحن نعني الجميع، منهم من ينتظر على الجوال، ومنهم من يستمع إلى الراديو أو ينتظر خبراً مفرحاً من رفيق سلاح، لديه راديو، ومنهم من يدعي الله بقلبه وهو متسمر في موقعه ينتظر خبر الفوز المبشر، الجميع يمني النفس بهدف “يبرد” الروح، يسجله نسور قاسيون في المرمى الأسترالي، فوق أرضه وبين جماهيره، دقائق وها هو الهدف الأول لسورية يخترق الشباك الاسترالية ويمزق مناعة محليتها، وهاهي كل قلوب السوريين في كل بقاع الأرض تهتف بملء الروح..سورية.
إن نقل وقائع هذه المباريات التي خاضها فريقنا بشكل إعجازي للوصول إلى المونديال الأغلى عالميا، ومتابعتها ومتابعة ما سبقها من فعاليات خاضها النسور، بشكل حضاري ومتقدم وراق إعلاميا، وبهذا الشكل المتواصل من قبل إعلامنا المحلي، بكافة أنواعه، تركت أثرا كبيرا لا يستهان به، وذلك بتذكير السوريين بهويتهم، بمن هم، وإلى أي حضارة عريقة ينتسبون، ومن أي أخلاق نبيلة تنحدر وأرواحهم المصكوكة من روح الورد، ولسوف يحسب لفريق منتخبنا الوطني “النسور” –بغض النظر عن النتيجة- أنه بما صنعه من معجزات فعلا خلال مسيرته للوصول إلى النهائيات، جمع قلوب السوريين في كل مكان على بعضها، لمها الدفء الذي عهدناه، وارتخت ملامح الغضب لتحل محلها ملامح الأمل بأن غدنا المفرح قادم لاريب، مادام الفريق الكروي الذي يحيا وقائع حرب معلنة وواقعة منذ سبع سنوات عليه وعلى شعبه وأرضه وهويته، هذه هي روحه الرياضية، والأهم هذه هي روح الشعب الذي هو منه، ينسى الجراح بلحظة فرح وعز ومجد، يتسامح وينسى الألم كرمى خاطر سوريته التي دفع لأجل عينيها الغالي والنفيس.
الساحات الممتلئة بالجميع، البيوت التي تشتعل فيها الأصوات والصياح مرة واحدة، وتخفت أيضا مرة واحدة، هذه البيوت بمن  فيها بكبارها وصغارها، عيونها شاخصة إلى التلفاز، وقلوبهم رانية إلى أرجل النسور التي لا ريب صنعت ما يستحق التقدير والوقوف طويلا للتأمل فيه وأخذ العبر منه، نحن أبناء بلد واحد وتراب واحد ومياه واحدة، وهذه التوليفة البشرية الفريدة والتي يمكن تلخيصها بـ “صفاء الانتماء”، سوف تكون دائما هي “الصمغ” الذي يجمعنا، ويعيد إلينا اللحمة التي فرقتها الحروب كما يتمنى كل من قلبه على هذا الوطن بكل صدق.
ما يجب أن لا يفوتنا أيضا، خصوصا بمعانيه ومضامينه وعلى ماذا يدل، هو تلك الوقفة المفرحة فعلا، التي وقفها المعلقون العرب على المباراة، من مصر وتونس والخليج وغيرها، كانوا جميعا في تعليقهم على أي مباراة خاضها النسور، وكأنهم يعلقون لفرق بلادهم، نفس اللهفة في حالة هجوم لفريقنا، ونفس الفرح بالهدف، الأمل ذاته بتأهل فريق عربي إلى البطولة، الخيبة في حال دخول هدف في مرمى فريقنا، تدلنا على أن العديد من الشعوب العربية، تدرك فعلا ما تفعل حكوماتها بأخوتهم السوريين.
كما قلنا بغض النظر عن النتيجة التي لن نخوض فيها، العز كل العز، والفخر كل الفخر والمجد كل المجد لشهداء سورية أولا، ولرجالها الميامين حماة الديار، وإلى هذا الفريق الكروي”فريق النسور” الذي استطاع أن يجمع قلوب السوريين في دائرة أمل واحدة، دائرة انتظار انفراج كبير لا ريب سيأتي، دائرة من نور ونار، تدلنا خطوطها المقوسة والمتصلة، أننا ومهما عصف الزمان، أهل قلب واحد، وأبناء وطن عزيز وغال كما هم أبناؤه.