الدراما المحلية والهجرة المنوعة نحو العالم الافتراضي
تساهم الدراما التلفزيونية المحلية والعربية، التي لم تجد طريقا لها إلى شاشات العرض، بذهابها نحو مواقع التواصل الاجتماعي “اليوتيوب” لعرض أعمالها تلك، تساهم بقصد أو بدونه إلى إضعاف قدرة هذه الدراما التلفزيونية، على الجمع حتى بين أبناء العائلة نفسها، العائلة التي كان يجمع أفرادها عملا تلفزيونيا، يُتفق عليه بشكل ضمني بينهم على متابعته، وسط زحمة الأعمال الدرامية تلك التي اخترعتها بدعة السوق الدرامية الرمضانية، وكان العمل الدرامي التلفزيوني في زمن مضى، ليس جامعا للعائلة الواحدة فقط، بل أحيانا جامعا لأهل الحي الواحد أو القرية الواحدة، قبل الثورة الدرامية التي بدأت في تسعينيات القرن المنصرم، بعد أن شاع التلفاز في سورية وبين مختلف العائلات السورية، باختلاف قدرتها الاقتصادية في ثمانينيات القرن نفسه، وهذه المساهمة بإضعاف العلاقة بين الجمهور والتلفاز، أكثر مما هي ضعيفة، لن يكون دورها بالقليل أبدا، في توجيه ضربة حاسمة لهذا الدور الذي لعبته الدراما التلفزيونية المحلية، منذ انطلاقتها، بجعل كل فرد من العائلة له مسلسله المفضل الذي يتابعه على “اليوتيوب” من خلال جهازه الخلوي المحمول، أو اللابتوب وغيرها من هذه الوسائل المتوفرة وبوفرة في يد الجميع، حتى الأطفال للأسف، حتى لو صادف أن جلس أفراد الأسرة الواحدة معا في السهرة فرضا!.
طبعا معظم المشاركين في هذه الهجرة الدرامية المنوعة، هم ليسوا براضين أو حتى بمتقبلين بشكل أو بآخر، لهذه الهجرة القسرية، فما زال للتلفزيون سطوته التي ينافس عليها عالم قائم بحاله من الأعمال والشركات المساهمة والمضاربة كما في سوق البورصة، لكن هذا ما دفع البعض من صناعها والمساهمين فيها، للذهاب نحو اليوتيوب والفيس بوك، تخفيفا للصدمة التي تلقوها من عدم قدرتهم التسويقية،-تلك التي لم يحسبوا لها حسابا- ورغبة إن لم نقل أملا، بأن تتم مشاهدة العمل الجيد بين عديد الأعمال الدرامية التلفزيونية الأخرى، -التي ذهبت لليوتيوب لأسباب أخرى سنأتي على ذكرها-، من قبل قناة فضائية ما، فتعمل على شراء العمل، خصوصا وأن الشركة المنتجة، لن تكون مسرورة بانتظارها كثرة “اللايكات” حتى تبدأ بحصد أرباحها، بعد أن تحكم سوق العمل والبيع والشراء، بها وبأعمالها، بغض النظر عن سوية العمل إن كانت جيدة أو العكس، كما أن بعض هذه الشركات الإنتاجية التي مولت بعض هذه الأعمال، لا تحتمل الخسارة، باعتبار أن “دبساتها مراق” كما يقال، وسط هذا الحصار التلفزيوني الخانق، الذي تمارسه القنوات العارضة على الدراما السورية، والذي لا يستطيع الصمود فيه إلا حيتان المهنة!.
هذا النوع من الأعمال الدرامية التي تساهم بغير قصد في زيادة الفرقة العائلية، هي واحدة من أنواع أخرى للعديد من الأعمال الدرامية المحلية والعربية، التي ذهبت بقصد نحو هذه الهجرة، خصوصا تلك التي تجد مشكلة حادة مع الرقابة في بلادها بكل أنواعها، الرقابة التي لا يزال البعض منها، إما مخترقا ولا رأيا فعليا له، أو تلك التي لديها خطوطها الحمراء الكثيرة، سواء تلك التي تعرفها أو التي تجهلها أحيانا، أو ما يسمى”الرقيب الجاهل”، وأيضا يوجد من هذه الرقابة ما هو محض شخصي، أي أن الرقيب هو من يخترع ما يجب وما لا يجب، فمثلا انتشر العمل الدرامي “قلم حمرة” –تأليف يم مشهدي- إخراج حاتم علي- بين رواد مواقع التواصل الاجتماعي وبكثرة، نظرا لذهابه نحو كسر “التابو” المقدس “ديني –سياسي-جنسي” لتجد فيه شريحة الشباب بشكل خاص وأيضا الطبقة الوسطى، ما تقوله هي نفسها، ولكن بينها وبين نفسها، طموحات هذه الطبقة وأحلامها والحال التي وصلت إليها بعض أسرها في هذه الظروف الصعبة التي تصوغ حياتهم وسط الحرب.
أما النوع الثالث من هذه الدراما “الماشية” في ركاب الهجرة نحو وسائل التواصل الاجتماعي،التي لا نقلل من سطوتها الشديدة على الجميع- فهي الدراما الموجهة، أو الدراما المضادة، تلك التي تذهب نحو تقديم أعمال درامية يمكن وصفها بـ”الحربية”، خصوصا وأن محتواها هو ما يعبر عن مقولتها نحو دولة تعاديها، أيضا هذا النوع من الدراما التلفزيونية، صار مقاطعا من قبل المحطات العارضة، كونها تريد العمل “البياع” لا العمل المحارب الذي لا يجلب في ساعة الذروة، اكبر نسبة مشاهدة من الإعلان التجاري، ويدفع لأجلها الكثير، -بالتأكيد يوجد قنوات عرضت مثل هكذا أعمال درامية “حربية”، حتى لو لم تكن متابعة جماهيريا، باعتبارها من الشركات التي تحتمل الخسارة مرة واثنين وثلاث وأكثر، طالما أنها مدعومة من النفط الخليجي، حتى أن بعضا من تلك القنوات راحت تبث ما يبعث على الفرقة بين الناس، باللعب على الوتر الديني الحساس، بما ذهبت إلى تقديمه من أعمال صُنعت لهذا الغرض، ال “م ب سي” مثلا.
بعض هذه الأعمال والتي تنتمي إلى النوع الأول، يجب دعمها من قبل قنواتنا المحلية-بالتأكيد الجيد منها-وعوضا عن إنتاج برامج فنية وثقافية وفكرية منوعة، يمكن وصف بعضها بكونها “سمجة جدا”، فلتعمل هذه المحطات المحلية على شراء الأعمال الدرامية المحلية التلفزيونية الجيدة الموجودة على اليوتيوب، تلك التي لا تجد لها موطئ عرض ، سواء على تلك الشاشة المقاطعة لدرامانا المحلية تجاريا، فربما ليس في “العمل الدرامي” المهاجر إلى العالم الافتراضي منها، ما يجذب من خيانة أو جنس أو صراع منوع، وحبذا لو اجتمعت بالنسبة لها طبعا- أي تلك القنوات-، كل تلك “المحفزات” في العمل الدرامي الذي تريد شراءه، لتضمن متابعة جماهيرية من شرائح وطبقات أوسع، أو تلك الشاشات التي لا يناسبها المضمون ربما لكونه يحمل خطا وطنيا، لا يناسبها أن تعرضه، وهذه الشاشات كما ذكرنا هي من الشاشات المحاربة، أو التي تُجير من مموليها، لتساهم في الحرب على طريقتها، وبإنتاجها هي لما تريده من مسلسلات للأسف بعضها سورية، صار الحديث عنها مملا جدا.
الهجرة الدرامية التلفزيونية العربية والمحلية بشكل خاص، تبشر بمزيد من الفرقة بين الناس، سواء بين بعضهم البعض، أو حتى في العائلة الواحدة، التي لا تحتاج الآن ولا بأي شكل، – المجتمع السوري بشكل خاص-، إلى ما يعزز الفرقة التي ضربته بسبب الحرب، حتى لو كان بالأذواق الشخصية الفردية في مشاهدة عمل درامي بشكل منفرد على اليوتيوب!.
تمّام علي بركات