ثقافة

صاحب أهزوجة”لأكتب ورق وأرسلك” يترجل نجيب ابو عسلي.. أول بكالوريوس في التربية الموسيقية

ودعت السويداء مؤخرا الموسيقار نجيب أبو عسلي الذي رحل وترك إرثا موسيقيا وفنيا زاخرا بالعطاء ومسيرة فنية زاخرة يتغنى بها أبناء المحافظة خاصة والقطر عامة. مسيرة استمرت ما يقارب الخمسة والثلاثين عاماً، كان يهوى الموسيقا والعزف على العود منذ الطفولة، ونمت موهبته الموسيقية مع الاهتمام بها كعلم ودراسة.. اهتم بالفن الشعبي وأحيا التراث وطوره، كما قدم الأغاني الشعبية موزعة توزيعاً كورالياً رائعاً وبأصوات مختارة وجميلة.

توزيع”هارموني”

كانت رحلته مع الكورال طويلة ملأى بالجهد والتعب والنضال، لأنه بدأ من الصفر وكل بداية صعبة، فالعمل الكورالي وما قدمه من موشحات وأناشيد موزعة لصوتين وثلاثة وأربعة أصوات وأغان شعبية وسماعيات قديمة وبشارف ولونغات كان جديداً على المحافظة.

الفنان “أدهم عزقول” من تلاميذ الأستاذ “نجيب” وقائداً لعدد من الفرق الموسيقية في المحافظة قال:عرفت الأستاذ “نجيب” مدرساً وشاركت معه في فرقة الكورال عام 1998م في المهرجان السياحي الأول، فهو لم يكتف بأداء واجبه الوظيفي كمدرس للموسيقا في مدارس “السويداء”، بل سرعان ما شحذ العزم بعد عودته من مصر وباشر بتأسيس وتدريب الفرق الموسيقية المتكاملة، وفرق الغناء الجماعي (الكورال) والتي اصطفى منها أجمل الأصوات لتدريبها على الغناء الفردي، وكانت لجهوده آثارها بأن أحرزت “السويداء” ولأول مرة المركز الأول في مهرجان الشبيبة المدرسية الذي أقيم على أرضها، والتي استمع فيها الأهالي وللمرة الأولى إلى الأهازيج الفلكلورية العريقة من تراثنا الجبلي الزاخر بأصوات أبنائها وبناتها فكانت “لأكتب ورق وأرسلك”، وغيرها عشرات الأهازيج الشعبية التي اشتهرت على مستوى القطر بل وتجاوزت الحدود أيضاً، بالإضافة إلى العديد من الأناشيد الوطنية والموشحات الأندلسية التي تغنت بها فرق الكورال الجماعي بأسلوب أكاديمي، ولأول مرة في ذلك الحين استمع الجمهور إلى أعمال فنية جماعية اعتمد في إخراجها على التوزيع الموسيقي الآلي والغنائي أو بما يعرف بالهارموني.

أول بكالوريوس

وعن سيرة الراحل يتابع عزقول”ولد أبو عسلي في “السويداء” عام 1935وعاش طفولة عادية إلا أنها غنية بشغف وحب الموسيقا والعزف على آلة العود على وجه التحديد، وبعد حصوله على الثانوية العامة عام 1955م، راسل معهد غوته في ألمانيا لإكمال الدراسة العالية وهناك قبل في جامعة “ماربورغ” لدراسة الطب، ولكن الصعوبات المادية وقفت عائقاً في وجهه، فقرر السفر إلى فنزويلا كنوع من ردود الفعل وبقي هناك أكثر من خمس سنوات.

في عام 1965م عاد إلى “السويداء” وسافر منها إلى مصر لدراسة الموسيقا وقبل في المعهد العالي للتربية الموسيقية في “الزمالك” وكانت مدة الدراسة فيه خمس سنوات، أنجزها في أربع سنوات ونجح بامتياز، وحصل على بكالوريوس التربية الموسيقية اختصاص موسيقا عربية، و كانت الشهادة الوحيدة والأولى في القطر في ذاك الوقت».

عاد بعد حصوله على الشهادة مباشرة إلى سورية للعمل فشكل فرقة للموشحات ضمت خمس وعشرين شاباً وهي الأولى من نوعها في المحافظة.

شاركت هذه الفرقة في مهرجان قطري للمسرح المدرسي أقيم في محافظة “دير الزور” عام 1970م، بوصلة للموشحات وأغنية شعبية من تراث المحافظة وهي أغنية “لأكتب ورق وأرسلك” التي لاقت من النجاح ما يفوق الوصف وكانت أول أغنية شعبية مطورة تقدم على المسرح بتاريخ محافظة، وغناها فيما بعد العديد من الفنانين، شاركت بعدها “السويداء” في مهرجان “اللاذقية” عام 1973م وفازت بميدالية الفارابي الذهبية مثلها مثل كورال “حلب”.

في عام 1974 أقيم المهرجان القطري في “السويداء” على المسرح المكشوف في ثانوية “شكيب أرسلان”، هذا المهرجان إلى اليوم هو الأبرز في تاريخ المحافظة من حيث التنظيم والفرق الكورالية والموسيقية والشعبية لقد كان عدد عناصر الكورال آنذاك ستين منشداً ومنشدة، وحازت “السويداء” المركز الأول على مستوى القطر و16 ميدالية، وفي نفس العام لحّن نشيد المرأة العربية للاتحاد النسائي».

في عام 1975م تعاقد الأستاذ “نجيب أبو عسلي” مع دولة الجزائر لمدة ثلاث سنوات قدم خلالها حفلة فنية كل عشرين يوماً، وخلال تلك المدة ألف كتاباً للموسيقا درس في المعاهد المتوسطة، وشكل كورالاً ضخماً في الثانوية في العاصمة، وبعد العودة من الجزائر تعاون مع منظمة طلائع البعث، ولحن لها ثلاثة أوبريتات من كلمات الشاعر “شريف ناصيف” هي: “تشرين يعلم الأطفال” و”الأطفال والعيد” و”قطار المستقبل” نالت كلها الدرجة الأولى على مستوى القطر، لكن أوبريت “قطار المستقبل” نال من النجاح ما لم ينله أي عمل آخر، فقد عرض في التلفزيون السوري 26 مرة.

تعاقد بعدها مع الشبيبة مدرباً وقائداً للكورال، حيث كان يشارك سنويا في المهرجانات المحلية والقطرية للشبيبة، وقد تميز كورال “السويداء” حينها على مستوى القطر وفاز بالدرجة الأولى خلال أربع سنوات متتالية في محافظة “الحسكة” عام 1987، وفي محافظة “حمص” عام 1988، وفي محافظة “دمشق” عام 1989، وفي محافظة “السويداء” عام 1990 فاز بدرجة الامتياز.

تعاون أيضاً مع نقابة المعلمين حيث عين عام 1988موجهاً اختصاصياً للتربية الموسيقية لمحافظتي “السويداء” و”درعا”».

ازدادت الأعباء الوظيفية بعد شغله لمنصب الموجه الاختصاصي في التربية الموسيقية للمنطقة الجنوبية، وكان مدرساً ومشرفاً على المعهد الموسيقي في “السويداء” إلا أنه استمر بالتحضير للمهرجانات والحفلات حتى تقاعده في عام 2003م، ومن مشاركاته العديدة في مهرجان الأغنية الملتزمة في “دمشق”، كما قدم عملاً فنياً على مسرح التربية “بالسويداء” لمنظمة الهلال الأحمر وفي هذا الحفل قدم نشيد “يا هلال الحب” من ألحانه وفقرات كثيرة متنوعة.

على مسرح المتنبي في فندق الميريديان “بدمشق” قدم عام 1993عملاً فنياً كبيراً بدعوة من جمعية أصدقاء دمشق حضره الدكتور “سعد الله آغا القلعة” وزير السياحة آنذاك، وتعاون مع النادي السينمائي أكثر من مرة وقدم محاضرة عن الموسيقا العربية، وعزف مقطوعة موسيقية على العود للفيلسوف والموسيقي الشهير “الفارابي”.

شارك بعمل فني كورالي كبير في مهرجان “بصرى” الدولي الثالث عشر وقدم في مهرجان الطلائع في “السويداء” عام 1996 لوحة شعبية بعنوان (مواسم الفرح) من كلمات الشاعر “شريف ناصيف” وألحانه مدتها ساعة؛ رقص عليها أكثر من ثلاثمئة طفل في صالة الملعب البلدي، وفي المهرجان السياحي عام 1998 شارك بلوحة شعبية من تراث المحافظة سارت عليها الفرق الشعبية أمام دار المحافظة».

رفعت الديك