أسماء فيومي.. أيقونة التشكيل السوري ضيفة “أماسي”
“أنا لستُ سياسية ولستُ مسيسة أنا مع الإنسان” بهذه المفردات بدأت ضيفة أماسي الفنانة التشكيلية أسماء فيومي حديثها مع الإعلامي ملهم الصالح عن فضاءات لوحاتها التي توسطتها بقع الدم والتي وثّقت من خلالها الحرب السورية، لتعود معه ومع الكثير من الصور التي أرخت مراحل حياتها إلى سنوات خلت ساهمت فيها بنجاح الدراما السورية وبرفع الذائقة الفنية للأطفال، ليفاجئها الصالح بمطالبة خاصة من مجلة أسامة لتزينها برسوماتها من جديد.
وقد كرّمت وزارة الثقافة ممثلة بمعاون وزير الثقافة د. علي المبيض الفنانة فيومي على مسيرتها الحافلة بالعطاء فبيّن بأن تكريم القامات السورية يعتبر تكريماً للذات، وتابع بأننا تربينا ونشأنا على رسوماتها في مجلة أسامة، وعلى المسلسلات الدرامية التي شاركت فيها بعمليات الديكور والأزياء، فهي تمثل قيمة مضافة للفنّ التشكيلي السوري، ووصفها بأيقونة التشكيل السوري.
وتابعت السيدة رباب أحمد مديرة المركز بأن التشكيلية فيومي من رائدات الفنّ النسوي في سورية منذ ستينيات القرن الماضي، وهي القائلة:”أنا لاأؤمن بالمدارس الفنية بل أؤمن بالفنّ الذي يتدفق من الداخل” لتغوص بفضاءات تجريدية محورها هواجس أنثوية.
التحطيم والبناء
وطرح الصالح سؤالاً لماذا تم اختيار التشكيلية أسماء الفيومي لتكرّم في أماسي؟ ليجيب بأنها من رائدات التشكيليات السوريات اللواتي تخرجن من الدفعة الثانية لكلية الفنون الجميلة عام 1966وبأن تجربتها تجاوزت نصف قرن، وأقامت أكثر من عشرين معرضاً فردياً محلياً ودولياً وأكثر من خمسين معرضاً مشتركاً، وعملت على الارتقاء بالفن التشكيلي الملتزم وكرّمت من قبل وزارة الثقافة ونقابة الفنانين ومهرجانات دولية، ولها مقتنيات في المتحف الوطني في دمشق وفي كندا واستراليا وتونس وغيرها.
ثم عُرض فيلم توثيقي للتعريف بالفنانة فوصفها بأنها رمز من رموز المشهد التشكيلي الذي لايكتمل الحديث عنه دون أن يذكر اسمها، وعن تأثرها بأستاذها لاروجينا، وصعوبة وصف لوحاتها بالتجريد فالتوصيف الأقرب هو التعبيرية على أسس واقعية، ليتوقف الفيلم عند خاصية الألوان الحيوية والمدهشة حتى لو بدت شحيحة في مواضع إلا أنها تملك حضوراً قوياً، وأخذ الفيلم في النصف الثاني الطابع التسجيلي فتوقفت الكاميرا مع الفنانة فتحدثت عن مفهومها الأساسي في تحطيم الشكل ومن ثم إعادة تشكيله.
حكايتها مع اللون
وبدأ الصالح حواره معها من مرحلة الطفولة، فتحدثت عن نفسها بأنها من أبوين دمشقيين ولدت في عمان لأن والدها كان يملك سينما تدعى الفردوس، وعلى سطحها كانت تعرض الفرق الاستعراضية عروضها، مما جعلها منذ سنواتها الأولى تعشق الفنّ بأنواعه وترى عينها اللون وتسمع الموسيقا، واكتملت ثقافتها بقراءة والدها الشعر، ليتوقف الصالح عند أصولها المصرية فجدها من مدينة الفيوم في مصر تزوج من سورية، وبعد سن السابعة عادت عائلتها إلى دمشق، والتحقت بمدرسة التطبيقات المدرسية التي تعلمت منها دروس الرسم والأشغال، ثم تعمقت تجربتها مع اللون في مدرسة ساطع الحصري من خلال غرفة الألوان الزيتية على السطح، وتأثرت بأستاذة الأدب العربي د. نجاح العطار، والأستاذة ليلى الصباغ، ومن ثم دخلت كلية الفنون الجميلة وتخلت عن كلية الحقوق ليدرسها ناظم الجعفري وفاتح المدرس ولاروجينا من إيطاليا الذي أضاف شيئاً إلى طرق التعليم ومفاهيم جديدة مثل مفهوم التكوين الذي لم يكن مطروقاً، وتونات اللون، لتتوقف مع الصالح عند الحدث الهام وهو مشاركتها بمعرض الخريف وهي طالبة، وتابعت عن أسلوبها فهي لم تقتنع بالتجريد في البداية لكن بعد بحثها قدمت مشروع التخرج بأسلوب التجريد وأصبحت تميل إلى موسيقا اللون بلوحات كبيرة.
وعرض الصالح على الشاشة مجموعة من لوحاتها عبْر مراحل منها الواقعية التي انتقلت منها إلى التجريد والبورتريهات، لتوضح بأنها كانت ترسم على المرآة لأن الظل والنور يتبدل وفق تبدل الزوايا، ليتجه الحوار نحو مجموعة كبيرة من لوحاتها التي وثّقت الحرب السورية، فرسمت بالتجريد الخراب والرعب الذي يعيشه الإنسان والضحايا الأطفال والدم الذي رمزت له ببقع حمراء في منتصف اللوحة، كما وثّقت سابقاً ما يحدث في فلسطين وقانا والعراق وليبيا.
وتوقف الصالح عند استخدامها تقنية الكولاج التي كما ذكرت تحرضها على الرسم، وتابعت عن الإسكتشات التي ترسمها بعيداً عن اللوحات، لتخلص إلى أهمية الحوار بين الفنانين وبين الفنان والناقد، والقراءات المختلفة للقارئ. أما التطور الهام الذي تحدثت عنه فيومي فهو إيجاد روابط بينها وبين المتلقي بإيجاد مفاتيح يفهمها مثل العين، على سبيل الذكر لوحتها عن الحارة القديمة التي تحوّلت فيها النوافذ إلى عيون.
ومن المداخلات الهامة ماقاله الفنان أنور الرحبي الذي وصفها بالمتحف لأنها امتلكت ذاكرة حملت الكثير من الحكايات من الواقع والتاريخ، في حين أضاف الفنان نبيل السمان بأنها تمثل حالة تمرد باتجاه الحداثة في زمن كان فيه صراع على الحداثة، وتسجل جرأتها في ذلك، ليتوقف عند ظاهرة اهتمامها بتاريخنا الحضاري ذاكراً المسلسل الشهير”زنوبيا” الذي قدمت فيه مشهدية تاريخية من خلال عملها بالديكور رغم إمكانات الإنتاج المتواضعة.
رسومات التترات
ولم تقتصر الندوة على الجانب التشكيلي في حياة فيومي إذ تطرق الصالح إلى مشاركتها برسومات مجلة أسامة وتصميمها أغلفة الكتب ومنها كتاب الجوع لمحمد عمران، المدينة الفاضلة لهاني الراهب، لكن المحور الهام الذي توقف عنده هو مساهمتها في الديكور الدرامي للمسرح، ومن ثم للأعمال الدرامية للتلفزيون فاستضاف مهندس الديكور حسان أبو عياش ليتحدث عن الدور الذي قامت به فيومي بالديكور التلفزيوني الذي كان بعيداً عن هندسة العمارة ويتعلق بالرسم على الجدار، مبيّناً بأنها اشتغلت بديكورات الأعمال الشامية والتاريخية، وشهادة أبو عياش كانت مدخلاً لتتابع فيومي حديثها بأن زوجها المخرج غسان جبري هو أول من أدخل التترات المرسومة في “حكايا الليل” إذ مثل حائط الحارة تجربة جديدة، لتتطور أكثر في “غرباء لايشربون القهوة” ومن ثم بمسلسل القيد الذي أدخلت إليه اللوحات المائية وضمنت الشارة مقاطع من كتابات النص لأديب النحوي مثل”الحكومة مشغولة بحنفية حارتكم”، لتصل إلى العبابيد والجهد الكبير الذي بذلته بتصميم الأزياء، لكن النقلة النوعية كانت في عمل”امرؤ القيس”ورسم الحانات، ومن ثم تطور إدخال الأقمشة على الجدران في”طرائف أبو دلامة”، وقد عملت مع خلدون المالح وعلاء الدين كوكش وبسام الملا، والقسم الأكبر مع غسان جبري الذي كان ضيفاً في أماسي فتحدث عن حبّه لفيومي منذ أول لحظة رأى فيها لوحاتها القادرة على ترجمة المشاعر وعن العين المرسومة التي رفضت مغادرة مخيلته، وعن زواجهما، ليصل إلى أسماء المبدعة والقادرة على استيعاب أفكاره وتجسيد أحلامه.
وودع الصالح جمهور أماسي بمفاجأة أبكت الفيومي حينما عرض رسالة فيديو مسجلة من ابنها الأكاديمي الموسيقي زيد المقيم في النرويج يبث فيها اشتياقه لأمه وفرحته بتكريمها في بلدها سورية.
ملده شويكاني