ثقافة

في حفل تأبين د.عفيف البهنسي.. حارس ذاكرة الحضارة

أكدت د.بثينة شعبان المستشارة في رئاسة الجمهورية في حفل تأبين د.عفيف البهنسي الذي أُقيم في مكتبة الأسد مساء أمس في تصريحها للإعلاميين أن رحيل د. البهنسي الباحث والفنان والأستاذ الجامعي خسارة كبيرة، لأنه علَم من أعلام الثقافة والفن والأدب السوري، ورحيله خسارة كبيرة للوطن، مشيرة إلى أنه قدم من الأعمال ما نفتخر به وتفتخر به الأجيال، مبينة أن “وثيقة وطن” سوف تعمل على توثيق إرثه للأجيال القادمة لتتعلم منه الصبر والعطاء والوطنية، كما ستعمل على إصدار كتاب عن سيرته الذاتية بصوته وكلماته وهي التي سبق وأن أجرت معه عدة مقابلات قبل وفاته لتكون في مدرسة الأجيال الناشئة، حرصاً على ألا تذهب هذه الأعمال وتجربته الرائدة والهامة قبل أن يتم الاحتفاظ بها كجزء من تراثنا وثقافتنا ومدرستنا التربوية.

من الرواد
كما بيّن وزير الثقافة الأستاذ محمد الأحمد أن د. عفيف البهنسي ترك لنا كتباً ودراسات ولوحات ودواوين شعرية تنمّ عن وعي عميق وثقافة واسعة تأخذنا في رحلات تنويرية نحو الماضي وأصول حضارتنا وجذورها، وهو الذي لم يكن باحثاً وعارفاً فحسب إنما كان رجلاً موسوعياً عني بتنظيم الحركة الآثارية والتشكيلية السورية، مبيناً أنه كان من الرواد الذين لم يعرفوا ترف التفرغ للدراسة والبحث وقد ناضل من أجل تحويل النظريات لحقائق في الحياة وبرامج عمل، إلى جانب إدارته التي كانت مثالاً للمقاتل الشرس، منوهاً السيد وزير الثقافة إلى أن الراحل ورغم تعمقه في علم الجمال العربي والإسلامي وتاريخ الفن والعمارة والفن التشكيلي والبحث ظل متواضعاً، يُقدّم ما تجود به قريحته بكل تواضع.

ناسك في معبد الفكر
وأشارت يولا البهنسي ابنة الفقيد إلى ما تناولته بعض الصحف العربية عن أبيها في رحيله والتي وصفت الراحل بأنه كان العين الساهرة على حضارة بلده وقد خسرت سورية برحيله سفيرها التاريخي، واصفة أبيها بالأسطورة وبالرجل الذي صنع عملاقه وقام بالمستحيل وظل متمسكاً بوجوده في بلده الذي عشقه كما لم يعشقه أحد، بينما أكد ابنه الأستاذ إياد البهنسي أنه برحيل والده لم يفقد الأب فقط وإنما فقد أباً وأماً في شخص واحد وبذات اللحظة، وقد منح توازناً لتحقيق ذلك فكان في القرار أباً حازماً وفي مجريات الحياة يمتلك حنان الأم، مؤكداً بأنه لم يعرف أباه إلا ناسكاً في معبد الفكر والعمل، وقد كان شعاره أن حياة الإنسان تكون أبقى عند العطاء.

العلامة
ورأى رئيس اتحاد الفنانين التشكيليين د. إحسان العر أن الراحل لم يكن إنساناً عادياً وهو الذي ترك لنا إرثاً فنياً وعلمياً وثقافياً، وهو رجل موسوعي ليس على نطاق سورية فحسب بل وعلى مدار العالم أجمع، فأبحاثه ومؤلفاته التي تجاوزت المئات تشير بالبنان وبشكل جلي لهذا العلامة الذي جعل دمشق وسورية هدفاً لأبحاثه وكتبه التي أصبح ينهل منها كل طالب للعلم حتى الارتواء، فضلاً عن كونه المؤسس والداعم لحركة الفن التشكيلي المعاصر في سورية كأول نقيب للفنون الجميلة عام 1968، وكأحد مؤسسي كلية الفنون الجميلة بجامعة دمشق ومراكز الفنون التشكيلية في محافظات القطر، منوهاً د.العر إلى تكريم الراحل في هذا العام من قِبل الاتحاد وتسميته رئيساً فخرياً لجمعية النقاد والباحثين فيه، وهو الذي كان سعيداً بما وصل إليه بعد مرور عدة عقود على اللبنة الأولى التي وضعها في إدارة وتنظيم حركة الفن التشكيلي.

رحل جسداً
وأوضح د.أحمد ديب مدير شؤون المتاحف في المديرية العامة للآثار والمتاحف أن الراحل البهنسي كرّس حياته للكشف عن الحضارة وإلقاء الضوء عليها وجعلها في متناول يد كل من يرغب، وقد تربّت على يديه أجيال كثيرة من الآثاريين والباحثين الذين يتابعون الدراسات والبحوث التي تتحدث عن هذا التراث العظيم، منوهاً إلى إدارة الراحل لمديرية الآثار والمتاحف وتأسيسه لـ ـ17 متحفاً في دمشق والمحافظات السورية وجهوده في تطوير المتحف الوطني وتقديمه للكثير من الأبحاث ومشاركته في تأليف موسوعات عالمية وكتب ومؤلفات كثيرة باللغة العربية وغيرها، من هنا على الجميع إحياء ذكرى هذا العلامة الذي كان وسيبقى منارة للأجيال القادمة.

زوّادة لا تنضب
وبرأي د.محمود شاهين أن كلية الفنون الجميلة في جامعة دمشق وكليات الفنون الجميلة السورية الرسمية والخاصة تقرّ بفضل هذه القامة الفنية والفكرية الكبيرة طلاباً وأساتذة، لأن ما تركه الراحل من كروم الجمال المثقلة بالثمر ستبقى زوّادة لا تنضب، حيث لا زالت كتبه المنشورة التي تجاوز عددها المائة تشكل المراجع الرئيسة لأبحاثهم ورسائلهم الجامعية، وستبقى إلى وقت طويل المعين والمنهل لهم لندرة الباحثين في هذا الحقل الإنساني والحضاري الراقي، مبيناً د.شاهين أن الراحل مارس ضروباً مختلفة من الفنون التشكيلية، ولذلك جاءت أبحاثه النظرية في علوم الفن وفلسفاته عملية موضوعية عميقة ومتنوعة، لأن الراحل تذوق متعة إنتاج العمل الفني والكتابة حوله فجمع في شخصيته بين الفنان المبدع للعمل وبين الناقد المتذوق والمحلل له برؤية الباحث الموسوعي الحصيف، وقد ظل حتى آخر أيامه حريصاً على أن يقدم معارفه وخبراته لطلاب كلية الفنون الجميلة بجامعة دمشق من خلال عضويته الفاعلة في لجان التحكيم ورسائل الماجستير والدكتوراه، ولهذا تعتبره الكلية أحد المداميك الرئيسة التي نهضت عليها، مؤكداً د.شاهين أن ما تركه الراحل هو ثروة فنية وفكرية عظيمة ومتنوعة.
أما السيدة أمل محاسن رئيسة جمعية أصدقاء دمشق التي ترأسها الراحل لفترة من الزمن وقدم لها كل الدعم لتحقق أهدافها في الحفاظ على أوابد دمشق وتجميلها،  فبينت أن الراحل دخل العالمية بهوية سورية وتابع مسيرته بألوان المعرفة التي نشرها في كل أنحاء العالم فكان شعلة مضيئة في بلاده التي أحبها ورفض أن يتركها.
في حين تحدث صديق الراحل د.بهجت قبيسي عنه كمارد وقف في وجه ادعاءات (إسرائيل) الكثيرة التي كانت تحاول أن تلغي حضارتنا وتستولي على إرثنا وحضارتنا التي أفنى الراحل عمره في الحديث عنها.
أقامت حفل التأبين وزارة الثقافة بالتعاون مع اتحاد الفنانين التشكيليين والمديرية العامة للآثار والمتاحف وكلية الفنون الجميلة وجمعية أصدقاء دمشق، وقد بدأ بتقديم فيلم قصير عن الراحل من إعداد الأستاذ سعد القاسم.
أمينة عباس