ثقافة

سوف أتفرغ للسعادة

المشهد بعد الغروب بحنين ونصف خارجي بحري.. الغيمة في ذاك المساء كانت تزحف بسرعة على بطنها لتفترس بنهم ما تبقى من ذلك اليوم الشتوي القصير الشاحب، وقد توارت ابتسامة شمسه الذابلة وراء تراكم سحب دكناء مستسلمة بعد أن يئست المحاولة في دحضه.
سرت بخطى سريعة وأنا في طريق العودة إلى البيت بعد نزهة بلون الهروب من كل شيء.. نزهة للبحث عن نافذة يأتي منها الهواء من اختناق لآخر..
كان المطر حينها قد بدأ يبلل قلبي.. يتفقدني هل مازلت من الشتاء الفائت على حالي أم أن شيئا مني قد رحل بجملة مايرحل منا ومن أرواحنا مع كل فقد جديد..!
أحسست بسعادة تغمر كياني وأنا أتنفس رائحة المطر وهو يحضن التراب.. أتنفس جو المساء المنعش.. شعرت بحرية وبقوة وأنا أناضل ضد البرد وأمشي ضد الريح فاتحة ذراعي أرقص لا حزنا ولا فرحا.. والمطر يلفح وجهي برذاذه فأتلقفه بمرح وفرح طفولي نزق والحبور يملؤني، وأنا أقفز فوق برك المياه والحياة المتجمعة في حفر خلقت للخذلان، أقفز كهرة تخشى على فروتها من البلل.. ولاح في ذهني سؤال: ماهو مفهومنا للسعادة..؟ وهل مفهومنا لها مقتصر على امتلاك الأشياء المادية وبذخ الحياة وترفها؟ أو على تحقيق رغبة، أو الوصول إلى هدف؟
أظن أن الأشياء المادية ما تلبث أن تنتهي مدة صلاحيتها، وأحيانا تكون فاسدة قبل الحضور.. وعندما يكتشف الإنسان بأنه يسير في حلقة مفرغة وبالتالي سوف يكتشف ما بداخله من خواء خلّفه لهاثه وراء السراب، ومع هذا فإن البعض يستمر في الركض معصب العينين مثل الحصان الذي يربط ليجر دولاب الناعورة، وأما البعض فيصاب بالارتجاج أو الدوار أمام ذلك الخواء، وربما البعض يصاب برهاب الخيبة فيسارع في البحث عن مستند يكون في متناول ذهنه، فيحاول ملء فراغ طموحه فيتشبث به ليتحاشى السقوط المدوي في هوة الإحباط السحيقة..
إن البحث عن السعادة يلهينا عن رؤيتها وهي قابعة في أعماقنا في صبر..في انتظار لفتة بسيطة ومتواضعة لتهرع نحونا في حبور تلقائي وغير مزيف ولا مزخرف بالديباج والإكسسوارات.
إن مفهومنا للسعادة المقيدة بغاية أو مناسبة لهو مخطط لاغتيال السعادة، التي تحولت في نظرنا لعصفور نادر دائم التحليق.. الكل يتربص لاقتناصه ونصب الشرك له.. وعندما يتراءى للبعض أنه أصبح في متناول أيديهم وأمسكوا بتلابيبه تبيّن لهم بأن العصفور قد طار وأن العش يسكنه الخواء..
لتكن سعيدا دقق النظر بما بين يديك وشاهد برؤية جديدة جمال الأشياء قبل فقدها وقبل فوات الأوان.
من حيث لا أدري تأتيني جرعات من السعادة عالية، غير متوقعة تجعلني أصرخ بكل ما أوتيت من فرح.. أرجوكم ليس لدي وقت للحزن..لا أريد أن أبكي.. سوف أتفرغ للسعادة.. وأبيع كل ما أملك لأشتري راحة بالي وقليل من فاكهة المستحيل لأحرر نفسي.
لينا أحمد نبيعة