بعد الانتهاء من تصويره أبو صابر: ملحمة شعبية وسيرة ذاتية
بإمكانيات بسيطة ومتواضعة وبجهود فنانين تقدموا للتجربة دون أيّ مقابل ولكن بكثير من الحب أنهى المخرج السينمائي وليد العاقل تصوير فيلمه الجديد “أبو صابر” في مدينة السويداء، وأشار في تصريح للبعث أن الفيلم يحكي حكاية وطن وشعب قاوم وناضل بشرف من خلال حكاية رجل عتيق كما سنديانة هرمة عاش يتأبط عزة وكرامة ليسرد حكاية شعب.. عيونه لم تُخلَق للحزن ولكن للفرح، ولم يعرف الحقد.
جزيرة الموت
ويفضِّل العاقل أن يتحدث عن مضمون الفيلم لأهميته وقد وصفه بالملحمة الشعبية والسيرة الذاتية لشخصية أبو صابر، حمد عباس ذياب الذي تطوع يوماً مع الجيش الفرنسي المحتل لسورية بعد أن انخدع بما كان يسوِّق له الاحتلال الفرنسي، بأنه سيشكل اللبنة الأولى لجيش الشرق الذي سيطرد المحتل العثماني من أرض سورية، وما إن انكشف له وجه الغازي الجديد على حقيقته حتى بدأ رحلة التفكير بالتخلص من العار الذي جلبه لنفسه, خاصة بعد أن رفضت عائلته استقباله في بيته ففرَّ من الجيش الفرنسي والتحق بالثوار الذين كانوا أقل عدّة ليتعرف على محمود بنيان الجزائري الذي كان في عداد الجيش الفرنسي مرغماً، ولكنه فرّ والتحق بالثورة السورية مقاتلاً شرساً, كما التقى الثائر عادل النكدي وكان واحداً من مجموعته الثائرة في دمشق وجوارها, وسرعان ما عاد للجبل حيث التحق بركب الثورة السورية الكبرى بقيادة أبي الثوار سلطان باشا الأطرش وقد سقط أخوه حمود شهيداً في معركة قلعة راشيا التي كانت حصناً منيعاً على مدى سنين طويلة، بعد أن اقتحم أسوارها مع ثوار الجبل بصدره العاري ليستشهد والده وهو يخوض إحدى معارك الشرف في الجبل دفاعاً عن أرضه وعرضه, وبهذا لم يبقَ له سوى أمه الصابرة التي تنتظر عودته سالماً, ولكن الفرنسي كان قد أصاب أبو صابر في مقتل خلال إحدى المعارك، وقدره أبقاه حياً, وأودع السجن، وهناك حاول أحد الرقباء الفرنسيين استفزازه وحلْق شاربيه اللذين طالما تفاخر بهما, ولكنه يتصدى للرقيب ويكاد أن يرديه قتيلاً لتقدمه (الحكومة) الفرنسية للمحاكمة العسكرية, فيُحكَم عليه بالإعدام، ثم يُخفَّف الحكم إلى عشرين عاماً أشغالاً شاقه يقضيها منفياً في جزيرة غوايانا الفرنسية أو جزيرة الموت كما كان الفرنسيون يطلقون عليها, حيث لم يُعرَف عن معتقل دخل الجزيرة وخرج منها حياً.. وعشرون عاماً أخرى يقضيها منفياً في فرنسا بعيداً عن بلده, وفي غوايانا يواجه أبو صابر الموت عشرات المرات ولكنه يتمسك بالحياة لأنه كان يريد أن يرى أمه في سورية من جديد, وبعد سبعة عشر عاماً من العذاب المتواصل في الجزيرة يخرج بـ (عفو) فرنسي للتخلص منه ومن عناده، فقد كان عصياً على الموت, وفي فرنسا يعيش منفياً غريباً يعمل حمّالاً في أحد الموانئ التي كان ينتظر فيها يوماً يلتقي فيه بأحد أبناء بلده ولو بالصدفة ليستطلع أخبار الوطن, وهناك يحتفل أبو صابر وحده وبدموع الرجال بخبر استقلال سورية وجلاء آخر جندي فرنسي عن بلده, مشيراً العاقل إلى أن أبو صابر غنى لرجالات سورية في الساحل وحلب والغوطة والجبل ليهرب في قعر إحدى البواخر القادمة إلى بيروت ومنها إلى الجبل ليلتقي والدته بعد سنين طويلة أمضاها بالانتظار, فيستقبله الأهالي بالأهازيج, ولكن ضيق اليد يجعله يبدأ رحلة البحث عن لقمة عيشه، خاصة بعد أن يتزوج وينجب ابنه صابر, فيعمل مستخدَماً في إحدى الدوائر, لكن جسمه الهزيل وتقدم العمر لم يَرُقْ لمديره فيطرده من وظيفته شرّ طردة بعد أن جاد عليه بمحاضرة عن الوطن والالتزام والمسؤولية، فيخرج مكسوراً مقهوراً إلى بيته, ويومها لم يقبِّل ابنه كما العادة بل اعتكف في غرفته طويلاً وكلام مديره السابق يطرق على رأسه كصخر أصمّ, ليخرج حليق الشارب الذي طالما افتخر به ودفع عمره كاملاً للحفاظ عليه بعد أن أصبح صراعه مع لقمة العيش له ولأسرته، وهذا لا يحتاج إلى شاربين بل إلى الصبر ولو كان مغمساً بالمرار والقهر.
البطاقه الفنية:
إنتاج شركة روان للإنتاج الفني، المشرف العام د.شاكر حمد ذياب، سيناريو وإخراج وليد إياد العاقل.. تمثيل: سمير البدعيش، سامر شقير، وليد الدبس، معن دويعر، مشهور خيزران، اعتدال شقير، أكرم العماطوري، عادل حمزة، أيمن الغزال، جميل مسعود، نزيه سراي الدين، لجين حمزة.. مدير التصوير خالد المصري، مدير الإضاءة وسيم الخطيب.. مشرف الصوت ماهر الشعار، مدير الإنتاج زياد أبو طافش، المدير الفني أيسر الشعراني، ماكياج هناء المتني، الموسيقا التصويرية بسمان حرب.
أمينة عباس