ثقافةصحيفة البعث

“فابريكا” عرض مسرحي بمزاج تلفزيوني

يشهد مسرح الحمراء في هذه الأيام العرض المسرحي “فابريكا” عن نص بعنوان “ممثل الشعب” للكاتب الصربي”برانيسلاف نوشيتش” -صادرة عام 1885-وهو عرض كوميدي كما يطالعنا البروشور، وكما كان هدف القائمين عليه أن يكون، غير أن المشاهدة تُظهر أن لا علاقة له بالكوميديا، ولا يمكن أن يكون له علاقة بأي شكل مسرحي واضح، لأنه ينافي، الشرط المسرحي المعروف بالقاعدة الرباعية:(أنا- الآخر- هنا- الآن)؛ “أنا” غير واضحة في العرض، هل هو المعارض أو الموالي؟ وعندما لا تتضح “الأنا”؛ لن تتضح “الآخر”، أما الـ”هنا” فلا شيء يدل على مكان وقوع الأحداث إلا اللهجة، يبقى من المعادلة الرباعية الـ”الآن”، الخلل في زمن وقوع الأحداث، أصاب العناصر الأخرى الثلاثة بضعف كبير، ما جعل الحكم عليها نقديا، يحتاج للحديث في طبيعة المسرح ذاته!.

الحكاية التي يتم فيها التنافس على مقعد في البرلمان، بين الموالي وبين المعارض، ممكن أن تحدث في سنوات 2011 ومطلع الـ 2012 على الأكثر، فالمعارض يخرج في المظاهرات، وهي ظاهرة انتفت على الأقل من الواقع، منذ ست سنوات تقريبا، صحيح أن العرض المسرحي عموما قد يتناول قصة قديمة، ولكن بعد أن تمتلك نقاط تقاطع، وإسقاطات مع الحاضر، خصوصا في ظل حرب تشهدها البلاد بوتيرة أحداث متسارعة، تجعل كل سنة منها تعادل سنوات عديدة في أزمنة السلم، أو في أزمنة ما قبل 2011، وهنا نشعر أن هناك حاجزين يفصلان الجمهور عن العرض؛ الأول هو زمن النص الأصلي، والذي يعود إلى عشرات السنين، وعندما تم التعامل معه، في محاولة لتوطينه، بأن يصبح عرضا محليا، فقد تم إرجاعه إلى ست سنوات واضحة، وليس إلى “الآن”فنحن “الآن” في زمن مختلف تماما، وبعيد عن ذلك الذي تقترحه المسرحية.

المشاكل السابقة انعكست على السينوغرافيا، وهنا مكمن الحاجز الثاني، فعندما تكون الأحداث منفصلة عن “الآن” لا بد أن يكون مكان حدوثها غير واضح، فالشخصيات –الممثلون- يعيشون ويؤدون أدوارهم وسط توليفة من فوضى “سينوغرافيات” منها: التكعيبية، والواقعية، وأخرى يمكن أن نقترح لها اسما جديدا، لم يعرفه تاريخ السينوغرافيا بعد، وهو “السينوغرافيا الإزعاجية”، ومن مواصفاتها كما جاء في العرض، عدة “سبوتات” بإضاءة شبه منزلية فاقعة تواجه الجمهور وتشوش بصريا على المشاهدة، فمن المستغرب أن يتم تسليط أضواء في أعين الجمهور، من المؤكد أن الذين غادروا العرض، لبثوا ساعات عديدة يشاهدون خيال نقاط مضيئة حيثما نظروا؛ من المطلوب طبعا أن يكون للمسرح أثر ما بعد المشاهدة، ولكن ليس من هذا النوع.

النجم التلفزيوني “محمد حداقي” معروف جيدا لدى الجمهور، ولكن من الصعب معرفته على الخشبة إلا بعد دقائق عديدة، ومن الصوت على الأغلب، وذلك بسبب الأداء التهريجي المبالغ فيه، الذي يجعله يبدو ممثلا آخر مختلفاً، وليس هو فقط ما يظهر عليه هذا الأداء، بل على الجميع، الأداء واضح أنه، ما اصطلح على تسميته “غروتيسك” وهو مصطلح يحتاج إلى ضبط وتوضيح، لأنه يُستعمل بكثرة في وصف هذه النوعية من العروض، أو بعض الأعمال التلفزيونية مثل “ضيعة ضايعة” و”الخربة”، ولكنه بشكل عام يشير إلى التهريج، وإلى أجواء مسرح “دبابيس”، فهناك الأقنعة التي يرتديها الممثلون، والكلمات السافرة، أيضا التنويع في طبقات الصوت دون مبرر، وهي من عناصر التهريج الواضحة.

ما يحدث على الخشبة في “فابريكا” ليس لها علاقة بالكوميديا كحكاية، ولكن الأداء التهريجي منفصلا يحاول أن يجعلها كوميديا، وهذا يعني أن الشخصية في مكان، والتمثيل في مكان آخر.

الأغنية التي تظهر على الشاشة المثبتة في عمق الخشبة، والتي تحاكي في اللحن والأداء أغنية النجم المعروف “ملحم بركات” –من بعدك لمين-، وهي أغنية معروفة للقاصي والداني، وراسخة في الذاكرة الجمعية، وذلك يعني القضاء على كل المشاهد السابقة، والتضحية بها، فالجمهور الذي يسمع أغنية مألوفة لديه كهذه، ستسرقه ببساطة من أجواء العرض المسرحي، إلى أجواء الأغنية نفسها، وما تتركه من انطباعات، هذه الثغرة كانت ستظهر أقل حدة، لو أن المقطوعات الموسيقية اللاحقة في العرض، أتت من نفس الفئة، لكنها جاءت من فئة مختلفة تماما، ذلك يعني أن الأغنية أتت نافرة وخارج السياق العام للعرض.

في الحقيقة أن الجمهور الذي ذهب إلى مسرح الحمراء، لم يبتعد كثيرا عن أحد المسارح التجارية التي كانت سابقا وربما حتى الآن موجودة في المكان، وهذا الكلام لا يعني موقفا ضد المسرح التهريجي، فهو بالنهاية مسرح لديه جمهوره، ولكن الاتكاء على نص من نوع آخر، هو الذي جعل العرض ضائع الهوية.

ما سبق ساهم في جعل العمل أقرب إلى “سكيتش” تلفزيوني ساخر، من ذلك النوع المعروف في الفضائيات اللبنانية، وبرامج “الكوميدي شو”، وهو نوع لا يحتمل إلا فترات قصيرة لا تتجاوز البضع دقائق، وهذا يجعل من زمن عرض المسرحية مرهقا بالنسبة لطبيعة الموضوع.

غياب كلمة –دراماتورجيا-عن البروشور، واستبدالها بكلمة ربما تكون تعني نفس المهمة وهي “الإعداد”، يشير بقوة إلى عدم وجود من قام بهذه المهمة، وذلك بدءا من انتقاء النص الملائم، ثم إيجاد المعادل المحلي له، انتهاء بالسينوغرافيا والأداء، كما أن كلمة “إعداد” توحي بقوة أن هناك ذهنية تلفزيونية، اشتغلت على العرض المسرحي، يكفي أن نعلم عدد من الممثلين والمخرج نفسه من نجوم الشاشة الصغيرة، لنفهم لماذا ظهرت المسرحية ككل، وكأنها فقرات برنامج تلفزيوني ترفيهي.

تمّام علي بركات