“عبد الله عبد.. القاص المنسي” رجل قادم من المستقبل
لم يضاء على حياة القاص عبد الله عبد بما فيه الكفاية، لذلك تم اختيار عنوان ندوة الأربعاء الثقافية الأخيرة في مكتبة الأسد “عبد الله عبد.. القاص المنسي” لاستذكار منجزاته الإبداعية، حيث رحل في ريعان الشباب بعمر الـ٥٠، وهو من الأدباء الذين كتبوا في مجال الطفولة بوقت مبكر” وقدم للمكتبة العربية الكثير من الإنجازات.
أديب الأطفال
ولو خيّر الأديب حسن م يوسف أن يضع عنوان الندوة لجعله عبد الله عبد “الرجل القادم من المستقبل” أو “أدب الأطفال عند عبد الله عبد” لأن الطفولة موجودة في جل إبداعاته، وفي مداخلته التي حملت عنوان “الطفولة في قصص عبد الله عبد” –التي ألقتها مها عرنوق بالنيابة عنه- قالت: إن لم تكن الطفولة موجودة في نصه الأدبي بشكل مكشوف، فبمقدور الباحث المدقق أن يجدها خلف النص في موقف الكاتب من العالم ونظرته إليه، وأول ما استوقفني وأنا أعيد النظر في المجموعات القصصية الثلاث التي كتبها عبد الله عبد للأطفال هو العناوين التي اختارها لها “العصفور المسافر” و”الطيران الأول” وكلا العنوانين له علاقة بالطيور والطيران ولعل هذا يعبر بشكل غير مباشر عن رغبة المبدع في الانعتاق من القيود والتحرر من الواقع البائس.
تتميز كتابات عبد الله عبد بالنزعة الإنسانية وبالمضمون الواقعي مع قالب فني جميل، تولد القصة عنده ويولد شكلها المتميز معها، ويُجمع النقاد أن عبد قد أخذ شخصياته من قاع المدينة والأزقة الضيقة والبيوت المتراصة، ومن البؤس الذي يعانيه مع الناس من حوله وصاغ من كل ذلك عالماً أدبياً، وقد احترم قراءه الصغار قدر احترامه للكبار وربما أكثر، حيث خاطب الطفل كصديق واحترم ذكاءه ولم يستخف بقدراته، فقصصه دائماً كانت تهدف لتقريب المفاهيم بما يتناسب مع مستوى الإدراك لدى الطفل لتحريره من محدودية واقعه كي ينطلق بخياله إلى عوالم أخرى.
وأضافت عرنوق: تتصف روايات عبد الله عبد بسلاسة الأسلوب، كما تتسم بالتشويق لذلك تنجح بسهولة في استدراج الطفل القارئ كي يشارك أبطال القصة في مشاكلهم ومواقفهم وأوضاعهم، ويمكن للباحث أن يلاحظ أن الكاتب ينوّع كثيراً في موضوعات قصصه وأشكالها ومعالجاتها كي لا يقع في التكرار، فكتب القصة الاجتماعية والوطنية والعلمية والتاريخية والضاحكة، واستخدم كل أنواع التقنيات، لأن الحوار الدرامي يلعب دوراً مركزياً في عالمه القصصي. وختمت عرنوق البحث بالقول: من يقرأ روايات الكاتب عبدالله يدرك أنه قد عاش حياته القصيرة كلها وهو يراقبها بعيني طفل كما لو أنه لم يغادر الطفولة أبداَ.
العلاقة بين الكاتب والإبداع
لم يكتب القاص عبد الله عبد شيئاً لم يعشه ولكنه لم يكتبه كما عاشه، فهو وثيق الصلة بنصه، ففي مداخلته “من القصة القصيرة إلى الرواية” قال د.عاطف البطرس: عاش عبد الله عبد حياة الفقر والشقاء، فهل من الضرورة أن يعيش الكتاب الجوع والفقر؟ وهل نحن بحاجة دائماً إلى إحراق روما ليكتب لها قصيدة عن الحريق، الكاتب لا يعيش الوقائع مادياً وإنما تخيلياً، واستعرض بعض عناوين ميزت عبد الله عبد منها:
“مات البنفسج” فيها عدة مستويات من القصص، وأهمها القصة الخالدة التي تدخل الأدب العالمي دون مقدمات هي “الرجل والعربة” فهي قصة محكمة البناء وشديدة التماسك تعتمد طريقة التداعي، فالرجل عندما يصاب ويرهق لا يستطيع أن يصل بالعربة ولكنه يجاهد ويكابر إلى أن يصل لغايته، وهذا يذكرنا بالصياد في رواية الشيخ والبحر، وقصص “ديكنا وقصة الملاح وسر البلورة” إضافة إلى قصص أخرى برع فيها عبد عبر الكثير من القضايا الاجتماعية، وفي مجموعته الثانية “النجوم” قصة “البغل” الشهيرة التي استطاعت أن تتجاوز ذاتها، والقصة التي بنى عليها لاحقاً روايته وهي “البعض يأكل الدجاج”.
كذلك من الصعب تناول منجز عبد الله عبد النصي بمعزل عن الحالة الثقافية التي عاشها، فقد أسس مدرسة مستقلة لها خصائصها ومزاياها التي صنعها من تجربته الخاصة ومن اطلاعه على الثقافة العربية القديمة، وانفتاحه على ثقافات أخرى، وبالإضافة إلى أننا نلمس في نصوصه تأثيرات واضحة للكاتب الروسي أنطون تشيخوف، ويمكن القول أن أهم صفة عنده هي الانغماس في حلقات الواقع الاجتماعي فهو المتخصص بها والتي لا تنفصل عن القضايا الوطنية.
قصص الأطفال
أما عندما يخرج القاص عبد الله عبد الإنسان من قلب الفقر والقحط فهذا يستحق أن نقف أمامه باحترام، وفي مداخلة “تأثير التراث في قصصه” قال مدير الندوة د.إسماعيل مروة: ينتمي عبد الله عبد لمجتمع بسيط، وعاش حياته يدافع عن المهمشين والأطفال والمرأة والحق والحرية والعدالة، لم يتعلم إلا أنه أحب العلم وأصر على الدراسة، عمل في الميناء والريجة، وكتب في كل مجالات الأدب والرواية، وكان في قصصه ملتزماً باللغة العربية الفصيحة حيث لجأ إلى كلمات بسيطة وسهلة وقريبة من الواقع إلا أنها باللغة الفصحى، وكان مميزاً في ميدان القصة الموجهة للأطفال حيث يبدو تأثره واضحاً وخاصة في العناوين التي لها علاقة بحكايات الجدة والتي يعود بعضها إلى كليلة ودمنة، وخاصة في اعتماده على قصص الحيوانات، إضافة إلى بعض الأفكار التي أخذها وصاغها من قصص الأنبياء مثل قصة “السيران ولعبة أولاد يعقوب” فقد استعان عبد بالموروث حيث قام ببراعة مطلقة بإقناعهم بتمثيل القصة، فخرج من إطار المحاكاة إلى إطار التأثر لصنع قصة تناسب الزمن والأطفال.
المحررة الثقافية