ثقافة

مع افتتاحها اليوم مكتبة دمشق التربوية ثاني أكبر مكتبة في سورية بعد مكتبة الأسدً

بعد جهد طويل استمر لأكثر من سبع سنين للفنان موفق مخول وفريق عمله إيقاع الحياة وتحت شعار “تعزيز مكانة المكتبة في العملية التربوية وترسيخها قيمة أصيلة في الثقافة المجتمعية” يفتتح وزير التربية د.هزوان ظهر اليوم مكتبة دمشق التربوية في مدرسة عبد القادر أرناؤوط جانب المتحف المدرسي للعلوم في حي القصور بدمشق، وبيَّن صاحب فكرة المكتبة الفنان مخول أن هذه المكتبة مشروع وطني مهم يُحسَب لوزارة التربية ومديرية دمشق بالتحديد تبنيه ودعمه، وقد قام فريقه “إيقاع الحياة” بتنفيذه وهو الفريق الذي أنجز مشاريع فنية كثيرة دخل بعضها موسوعة غينيس للأرقام القياسية من خلال اللوحات الجدارية التي أنجزها على جدران بعض المدارس في مدينة دمشق.

مئة ألف كتابً

وأشار مخول إلى أن ولادة المكتبة اليوم هي حصيلة عمل لسنوات عديدة تم خلالها جمع نحو مئة ألف كتاب كان معظمها مرمياً في المستودعات ومخازن المدارس في مدينة دمشق، كما تم إنقاذ بعض المكتبات المدرسية الموجودة في بعض المناطق الساخنة قبل أن تتأزم الأمور فيها، وأن قسماً كبيراً من الكتب هو من مناهجنا الدراسية القديمة، موضحاً أن في المكتبة اليوم كتباً قديمة قيّمة يعود بعضها لمناهج وثقافات عالمية، وهي تضم كافة أنواع الثقافات والكتب الأدبية والعلمية والفنية، ليكون أبرز ما يميزها التنوع، مشيراً مخول إلى أن الهدف من المكتبة هو تجميع هذه الثروة من الكتب النادرة في مكان واحد لتصبح متاحة أمام جميع القرّاء (قارئ عادي، مهتم، باحث، دارس) وذلك ضمن الإعارة الداخلية فقط باعتبارها كتباً قديمة لا تتحمل التداول بين أيدي القراء ضمن الإعارة الخارجية، مؤكداً أن القائمين على المكتبة عملوا على تصميمها بشكل جميل ودون أية تعقيدات وبمنتهى البساطة بعد أن تمت إعادة تأهيل مكانها ومحتوياتها من خزن وكراسي بشكل فني وجميل.

مواصفات عالمية

وأكد مخول أن الهدف من هذا المشروع ليس كما اتهمه بعضهم بتفريغ مدارسنا من مكتباتها لأن ما تم جمعه من الكتب هو عبارة عن كتب كانت مرمية في المستودعات وضمن صناديق مغلقة، لذلك جاء المشروع لإنقاذ هذه الكتب ونفض الغبار عنها ليستفيد الجميع منها.. من هنا فقد تم جمع الكتب التي لم تجد مكاناً لها على رفوف مكتباتها والتي تعاني من وضع صحي سيء بعد أن تم إخراجها من تحت الأنقاض وكانت مشروعاً لتوالف تم جمعها والاشتغال عليها وأرشفتها على الكمبيوتر ضمن مواصفات عالمية، وقد قطع فريق العمل شوطاً كبيراً في هذه العمليات، ورأى مخّول أن هذا المشروع هو مشروع إنساني ووطني، وقد حرص فريق العمل على إنجازه احتراماً للإرث الثقافي والإنساني، فكانت الجهود تُبذَل من أجل احترام الكتب بوضعها في المكان الصحيح، متمنياً أن يأتي آخرون من بعده لإكماله أو التأثر به لإيمانه أن أي عمل يبقى منقوصاً إن لم يأتِ من يكمله ويستمر به لأن الوطن –برأيه- لا يكبر إلا بالحب الذي نكنّه له وبتضافر الجهود.

أكبر صديق للإنسان

لم ينكر مخول أن صعوبات عديدة واجهته وفريق عمله في بداية المشروع، والصعوبة الأكبر برأيه كانت في إقناع البعض بأهمية هذا المشروع في ظل إيمان البعض بأن الشعب السوري لديه اليوم ما يفكر به ما هو أهم من الكتاب والقراءة، إلى جانب شعور البعض الآخر بأن العصر الحالي ليس عصر الكتاب وإنما عصر التكنولوجيا السريعة.. من هنا كان هناك من شجّع ودعمَ، وهناك من استغربَ واستنكر بحجة أن الناس قبل أن تقرأ بحاجة لأن تأكل وتشرب، وهذا برأيه كلام خاطئ لأن الكتاب يعوض ما نفتقده أحياناً، وهو أكبر صديق للإنسان، ولذلك كانت الغاية من المشروع أيضاً إعادة تأهيل هذه الصداقة والود مع الكتاب بعد أن وضِعَ جانباً وبعد أن انتشرت المطاعم والمقاهي وغابت المكتبات.

وثائق حقيقية

مجموعات قيّمة ونادرة موجودة في هذه المكتبة، وبعض كتب هذه المجموعات -كما أشار مخول- لا يمكن أن يجدها القارئ في أي مكان آخر، مبيناً أن أقدم كتاب موجود في المكتبة مجموعة دائرة المعارف التي كتبها بطرس البستاني عام 1870 وهي تُعد وثائق حقيقية نادرة، بالإضافة لمجموعة كتب تتناول تاريخ دمشق وأعلام الأدب والفن، إلى جانب كتب فرنسية عديدة وكتب تتناول واقع الحياة في لبنان وسورية قبل معاهدة سايكس بيكو في عشرينيات القرن الماضي وكتب أخرى منوعة تعود لثلاثينيات وأربعينيات وخمسينيات القرن العشرين، وقد تم جمع الكتب من مدارس عديدة وفي مقدمتها مدرسة أمية التي تم جمع نحو خمسة آلاف كتاب مهم منها، بالإضافة لما تم جمعه من مدارس مثل “دار السلام-ساطع الحصري” منوهاً إلى وجود مكتبات رائعة وقيّمة في مدارس كـ “الحرية” و”جودت الهاشمي” والتي لم يتم الاقتراب منها كونها موضوعة في أماكن جيدة ومؤرشفة بشكل صحيح، منوهاً مخول إلى أن المخرج علاء الدين كوكش قام بإهداء المكتبة نحو ثلاثين ألف كتاب من مكتبته الخاصة للمكتبة التربوية.

الثقافة الحقيقية

انتشرت التكنولوجيا في أوربا، ومع هذا ظل الكتاب في أيدي الناس في وسائل النقل والشوارع والبيوت والأماكن العامة لأنهم -برأي مخول- ما زالوا مقتنعين أن الكتابة أوفى صديق يمنع الكآبة وإضاعة الوقت ويخلق حواراً بينه وبين قارئه ويحل الكثير من المشاكل النفسية، مؤكداً أن انتشار هذه الوسائل يجب ألّا يلغي علاقتنا بالكتاب، لذلك يجب أن يصر الجميع على وجوده بين أيديهم لأن الكتاب برأيه أيقونة يتشارك الجميع بلمسه ويمنح طاقة إيجابية ويقدم كل الأزمنة والتاريخ للقارئ.. من هنا رأى مخول أن مشروع المكتبة يجب أن يعمَّم في أكثر من مكان لقناعته بضرورة وجود هذه المكتبات في كل مكان وحتى لا يقتصر وجودها على المكتبات الضخمة الكبيرة التي تحتاج لمكان واسع وكبير إيماناً منه بضرورة انتشار المكتبات الصغيرة في كل حي وقرية لحاجة المجتمع والرغبة في تطويره عبر ثقافة الكتاب التي يجب تعميمها ليصبح الكتاب في متناول الجميع باعتبار أن ثقافة الكتاب هي الثقافة الحقيقية التي تضع القارئ في رحلة مشوّقة مع الزمن والتاريخ، ولأنه يتمتع بخصوصية إنسانية عبر العلاقة الوطيدة والقريبة بحكم وجود الكتاب بين أيدي قرائه.

وختم مخول مؤكداً أن فريق العمل مستمر في تغذية المكتبة لأن هذا المشروع يجب ألا يتوقف لأنه مشروع وطني لا يقتصر في إنجازه على مخّول وفريق عمله، وأن أبواب المكتبة ستصبح مفتوحة أمام الجميع بفترتين صباحية ومسائية، مع السماح لطلاب المدارس بارتيادها من أجل الدراسة أيضاً، داعياً كل الجهات المعنية إلى تشجيع أطفالنا وطلابنا على ارتياد هذه المكتبة والمكتبات الأخرى لأن تعويدهم على ارتياد هذه الأمكنة يمنحهم ثقافة اجتماعية وسلوكيات إيجابية عديدة من خلال تعويد الطفل على دخول المكتبة والالتزام بقواعد الدخول والقراءة فيها.

أمينة عباس