ثقافة

الأدباء والكتاب العرب في ندوة “ثقافة التنوير… تحديات الراهن والمستقبل” مواجهة التكفير وإعادة الاعتبار للفلسفة العربية

بدأت في دمشق أمس أعمال الاجتماع الدوري للمكتب الدائم للاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب بمشاركة وفود من 15 دولة عربية إضافة إلى سورية واستهل أ.د.أسعد السحمراني أمين شؤون الانتساب والعضوية في اتحاد الكتاب العرب في لبنان الجلسة الأولى لندوة “ثقافة التنوير…تحديات الراهن والمستقبل” بالقول: يعيش الوطن العربي حالة من الفوضى التي تسببها مشروعات وأطماع استعمارية، يأتي على رأس قائمتها الاستعمار الصهيوني فالموقع الاستراتيجي لفلسطين جعلها في دائرة الخطر، وقد التقت على اغتصابها الإرادات الصهيونية العنصرية والأوربية الطامعة لأنها تصنف البحر المتوسط استراتيجياً على أنه بحيرة أوربية، والعامل الآخر في مسببات الفوضى هو العامل الفكري على المستوى الديني والسياسي والاقتصادي والتربوي، هذه الفوضى الفكرية التي استفادت من التقدم في وسائل الإعلام ووسائط الاتصال أنتجت ظلامية طغت على عقول فئات واسعة وكان بسببها فتن وشرور زرعت القتل والدمار والتخريب.

التزوير والتكفير
وأضاف د.السحمراني: تشهد ساحات الوطن العربي والعالم الإسلامي حالان من الأطروحات الفكرية الظلامية، سواء على الصعيد السياسي أو الفكري الذي يتجلبب بجلباب الدين، وإن أردنا التحليل فإن العوامل التي أدت إلى بروز التزوير والتكفير من خلال عدة وجوه هي أولاً: الدور البريطاني- الأمريكي، فبريطانيا بلد المنشأ لكل الحركات المشبوهة والهدامة، وأول موقع ظهر فيه مصطلح أصولية، وعندما اغتصبت بريطانيا بلداناً كثيرة واستعمرتها عملت على تصنيع حركات أو شخصيات ترتدي ثياب مجتمعات أممها، ولكنها محشوة بمفاهيم وأفكار تخريبية تتستر وراء الدين، ثانياً: أشخاص ساعدهم الأجنبي الاستعماري على الظهور والنجومية كي يصبحوا محل قبول عند قطاعات واسعة من الناس.
وختم د. السحمراني: إن التنوير أو النور شعاعات خير وبيان غموض وجلاء حقيقة ومن التنوير ما يكون عمليات استشراف مستقبلية تفتح للوطن والأمة السبل باتجاه مستويات أنقى وأرقى، كما أن لوازم التنوير -وأخص خصائص المفكر التنويري- تستدعي أن يهجر الفئوية وكل أشكال التعصبات ويرى الأمور بالموضوعية قدر المستطاع فلا احتكار مع التنوير، أما سبب الربط بين التنوير والتثوير فإنه عملية تحويل القول إلى فعل والنظرية إلى تطبيق، ومن مقومات التنوير عدة أسس منها أن يكون المفكر من أهل الاختصاص، وأن يكون فكراً لا فئوياً ولا تعصب معه فلا طائفية ولا مذهبية ولا آفاق ضيقة، وأن تكون الحركة التنويرية لها مسؤولية الغيارة على الوطن والأمة، والعمل على إيجاد إعلام مضبوط بالمقاصد السامية، وحركة الفكر التنويري تحتاج إلى المأسسة لأن المؤسسات يكون عمرها أطول من عمر الأفراد، وفي النهاية يبقى واجب على التنويريين العرب ترسيخ المنهج الوحدوي.

ثقافة مغايرة
وقدم باقر الكرباسي عضو اتحاد الأدباء والكتاب في العراق مداخلة بعنوان حاجة الشباب إلى التنوير قال فيها: الدنيا تراجيديا إنسانية مؤسفة، تباينت فيها ألوان الصراعات دينية وعرقية وإقليمية، فيولد الشباب العربي ويرى أمامه دماء في الأزقة وانهيار وحروب وأسلحة مما يعني أن هذا الجيل يولد بثقافة مغايرة منتقدة مأزومة بمشكلات فرضتها أحداث متلاحقة، فبالرغم من اللوحة السوداوية التي تحيط بالعالم العربي في المرحلة الراهنة، يبقى الأمل بالتغيير وبالغد الأفضل رهناً بتفعيل دور الشباب الواعي، وتنشيط مؤسسات المجتمع المدني وبث أفكار التنوير في أذهانهم كي يسهموا في تغيير اللوحة القاتمة. في الواقع، بدأ شبابنا العربي يدرك الفرق بينه وبين شباب الدول المتقدمة، حيث يجدون أنفسهم في دوامة عنيفة لصراع حاد بين الأفكار والإيديولوجيات، ومن صيغ للديمقراطية يتمتع فيها الناس بحريات واسعة إلى نظم تقوم على درجة من القمع والإرهاب لم يشهد التاريخ مثله، ومن هذا المنطلق وجدت أن شبابنا العربي يحتاج إلى وسائل هامة للتغيير أولها التنوير.
وتطرق الكاتب العراقي إلى أثر التنوير الأوروبي على الثقافة العربيةكـ: الحملة الفرنسية على مصر التي أدخلتها في الحضارة الغربية الحديثة كمبادئ سياسية وأنظمة إدارية وعلوم وطباعة وصحافة، والبعثات العلمية إلى أوروبا، والحركة التبشيرية الواسعة التي شهدها القرن 19 في البلاد العربية كالجمعية السورية في بيروت عام 1845م.
وتعهد مرحلة الشباب تحولات واضحة وهامة في اهتماماتهم الاجتماعية وسلوكهم، وأملنا بالتغيير وبالغد الأفضل مرهون بتفعيل دور الشباب الواعي وتنشيط مؤسسات المجتمع المدني وتجديد نظام القيم الإنسانية، وإحداث نقلة نوعية في التعليم الجامعي والتعامل مع العولمة من موقع العامل فيها وليس الخاضع  لسلبياتها والاستفادة من ثورات العلوم والتواصل لبناء جيل عربي جديد قادر على مواجهة تحديات العولمة، وهذا يجعلنا في الوقت الراهن بالذات نبحث عن شباب يحمل وعياً متجدداً وعقلاً منفتحاً ويداً متحررة بتحرر العقل، وسعياً جاداً نحو حيازة الواقع الاجتماعي بالإبداع والتجديد والابتكار والتغيير.
وختم بالقول: من هنا يجب أن يدخل الفكر التنويري إلى أذهان الشباب من أجل أن يكون التغيير الذي يرغبون فيه صحيحاً، فالمصلحون والمفكرون التنويريون عملوا على ذلك وزودونا بآليات التنوير للأخذ بها والعمل عليها من أجل مجتمعات صالحة تستطيع الشعوب العيش فيها بسعادة وسلام وتسامح وأمان.

التطور وآلياته
بدورها قدمت د.ناديا خوست ملفاً بعنوان “التنوير.. هو مقاومة الفكر التكفيري” قالت فيها:
تشهد السنة السابعة من الحرب على سورية أنها مشروع سياسي، نفذته عصابات مسلحة بتعبئة فكرية تكفيرية أباحت الذبح والسبي والنهب، وبمقدمات نظرية سوغت إلغاء العدو الصهيوني وتدمير مؤسسات الدولة السورية، ووضع إيران وروسيا وحزب الله مكان العدو المحتل. وقد أنجزت الحرب في الواقع أحد أهدافها حيث نقلت الصراع العربي الصهيوني من مواجهة إسرائيل إلى الحرب على الجيوش العربية، واستهدفت في سورية قواعد الصواريخ والمطارات ومواقع الجيش، والبنية الاقتصادية والسكك الحديدية والمستشفيات والمدارس والمزارع، وكل ما تمنى العدو قصفه وتغطت بمعارضة ثقافية علمانية وهي تخضّب لحاها وتلحن في لغة القرآن ويخرج لها الأفلام عن جرائمها خبراء غربيون.
وقدمت صاحبة كتاب “أوراق من سنوات الحرب على سورية” نتائج منها: يفترض الاعتراف بتقصير الكتّاب في محاولة المقاومة الوطنية لكشف العدوان عليها كما تقدم الشعراء والمفكرون، فهم لم يواجهوا الفكر التكفيري بالقوة التي واجه بها المقاتلون عصاباته، ولم يحرك قصف الشعب اليمني العواطف الإنسانية التي يفترض أن تكون في نسيج الوجدان، وتنبهنا المشاريع إلى ضرورة وجود مراكز بحث تواجه مفكرو النظام الاستعماري الأميركي وتكشف دورهم في صياغة مسوغات فكرية للسياسة الأمريكية، وتواكب المقاتلين المدافعين عن الوحدة الوطنية والجغرافية، ويفترض الانتباه إلى خطر استخدام مقاطع من دراسات برنار لويس أو هنتنغتون كأنهما باحثان حياديان، وقد شهدت وحشية العصابات المسلحة التي خلقتها أميركا على شرور موضوعات برنار لويس، ويفترض في الكتاب والمثقفين أن يعبروا عن ضمير الأمة.

تياران متناقضان
من جهته ركز أستاذ الفلسفة فريد العليبي من الجامعة التونسية في مداخلته على التضاد بين التيارين في الفكر العربي: التيار التكفيري والتيار التنويري إذ ينظر الأخير للمسائل من زاوية العقل والفكر النقدي والعلمانية والتقدم واحترام المرأة والوطن، ويجب على هذا التيار أن يستعيد دروسه ومنجزاته وأفكاره ومكاسبه، وفي الضفة الأخرى هناك التيار التكفيري وهو قديم في الثقافة العربية ويمكن ربطه بالغزالي وابن القيم الجوزية وغيره حيث يقوم على التكفير وينظر للمسائل من زاوية تغطي خطابه السياسي بالمقدس الفكري، بمعنى أنه يقدم ذاته على أنه صاحب خطاب ينتصر لله لكنه يخاتل بالمقدس لكي يسوغ ويبرر لطرف سياسي باسم الله والدين وشعاره الإسلام، لكن في الحقيقة ينبغي البحث في الإسلام عن بدائل، والبديل –كما اقترحه- هو إعادة الاعتبار للفلسفة وخاصة العربية مع الانفتاح على الفلسفة الكونية، فإذا نشرنا اليوم التفكير الفلسفي لن نتحدث عن مدينة الكفر، وإنما سنتحدث عن المدينة الفاضلة التي يحترم فيها الناس بعضهم بغض النظر عن جنسهم ولونهم، ومن هنا يتم التأليف بين الكوني والخصوصي، والتنوير تكون له رافعته الفكرية والاجتماعية والسياسية ويمكن أن ينتصر.

أزمة ثقافية
وقد ركز د.يوسف حسن من اتحاد الكتاب العرب في الإمارات على الأزمة التي تعيشها الثقافة العربية حيث قال: في الواقع، هناك خلل في فهم كثير من المثقفين لمسألة ثقافة التنوير التي لها وجه آخر هو الوجه الامبريالي الاستعماري، ومشكلتنا تكمن في أن المثقف العربي يتحدث في السياسة أكثر مما يتحدث في الهم الأدبي أو الخطاب الثقافي، فهو لا يجيد السياسة وبالتالي يفقد حتى إنتاجه وإبداعه، وهناك أزمة عند المثقف العربي، يمكن أن يكون كاتباً للسلطان ومعادياً له. لا يوجد في الثقافة قصيدة أو رواية أو مسرحية إنما هناك انحطاط ثقافي وسياسي في مجتمعنا، ومن الأجدر بهؤلاء المثقفين أن يتحدثوا ثقافة، ليس فقط الفكر التكفيري الذي أوصلنا إلى ما نحن عليه، بل أيضا التنمية المعاقة والفكر القومي المعاق أيضاً لم يستطع أن ينهض بهذه المجتمعات فهؤلاء من أين نبتوا؟ لقد تربوا في هذه البيئات وصفق لهم الكثير من المثقفين، وهناك دول تتحدث بالمنطق الديني والإلهي، وعلى المثقف أن يؤسس للثقافة التنويرية بين الشباب.

علا أحمد